السبت، ديسمبر 05، 2009

تضخيم الفرعيات على حساب الكليات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه , والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين , وحجته على الناس أجمعين , سيدنا وإمامنا وأسوتنا وقدوتنا ومعلمنا وحبيبنا محمد , وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين

يستغرب البعض طرح هذا الموضوع , قائلين إنه موضوع لايحتاج للحديث حوله والمرور عليه .
لكن الناظر في واقع بعض المسلمين الذين يريدون مصادرة الإسلام ومن ثم تصديره فقط عن طريقهم وعلى طريقتهم , فإنهم أغرقوا في الجزئيات والفرعيات على حساب الكليات والأصول ,حتى اصبح ذلك هو الإسلام في نظرهم , وكل من يخالفهم في ذلك فينظر له نظرة شك وريبة وأنه ناقص الإيمان وعقيدته فيها خلل , فكان لابد من التعرض لذلك وتوجيه الدفة بالإتجاه الصحيح , وإعطاء كل ذي حق حقه .

ومن الإبتلاءات التي تتعرض لها الأمة هي الإبتلاء بتلك الفئة التي تحول همها فقط للفرعيات فقتلوها درسا وعلما وتعليما فلا حديث لهم إلا في الفرعيات , حتى أضحت عندهم هي الدين كله .
لاننكر أن كل ما في ديننا هو دين سواء كان فرع أو أصل , سواء كان تشييع الجنازة أو إغاثة الملهوف , لكن يجب وضع كل شئ في مكانه ومقامه الصحيح , فلا إفراط ولا تفريط .
عندما نتحدث عن الإغراق في الفرعيات فلا نقصد تشريح تلك الفئة ,أو إتهامها في دينها , فهذا ما لانرضاه ولا نقبله , لكن نود أن نبين لهم أن للدين قواعد وأصول وكليات لايجوز تجاهلها , فهي أصل الدين وعماده .

لقد ظهرت دعوات وشخصيات تدعو باسم الإسلام إلى الإسلام، وهي أبعد ما تكون عن روحه ومقاصده؛ فكان أثرها الإساءة إلى الإسلام وتعاليمه وخطابه الدعوي من حيث أرادت الإحسان.
إنه لا خوف أبدًا على دعوة الإسلام من أن يكون لها مناهضون من خارجها؛ فتلك سنة من سنن الله الجارية، ومقوِّم من مقومات صلاحية الحياة للبقاء، أما أن يكون أعداء الدعوة هم أبناءها ورجالاتها فذلك ما يُذْهِب النفس حسرات، ويُقطّع القلب زفرات.

1- لو أمعنا النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي منهجه الدعوي، لو جدنا أنه صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشر عامًا يربي أصحابه على الأصول والكليات، وظل القرآن يتنزل عليه موجِّهًا جيل الصحابة إلى الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وأصول الأخلاق وأساسيات السلوك ومبادئ المعاملات، وعلى الرغم من أن القرآن المكي تنزل ببعض التشريعات بينما استكمل القرآن المدني أغلبها.. فإن القرآن المكي كان جُلَّ تركيزه في تربية المسلمين على أصول الإسلام الكبيرة ومقاصده الأساسية ومبادئه العليا، ولعل آخر ما وجهه الرسول لأمته من نصح في خطبة الوداع يشير إلى ذلك.
ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.. ماذا فعل؟ هل شرع في الكلام عن الفرعيات مع التأكيد عليها لا سيما وقد انتهى في المرحلة المكية من تثبيت وترسيخ الكليات؟ كلا.. كلا. لم يفعل ذلك، إنما أكد على ما كان في المرحلة المكية،( يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : من هنا شُغل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول مستقره بالمدينة بوضع الدعائم التي لا بد منها لقيام رسالته، وتبين معالمها في الشئون الآتية:
أ- صلة الأمة بالله.
ب - صلة الأمة بعضها بالبعض الآخر.
ت- صلة الأمة بالأجانب عنها ممن لا يدينون بدينها ) كتاب فقه السيرة .
- 1 -
2- كما أن الإغراق في الجزئيات يدفع نحو إختلال التوازن في التعامل مع أمور الدين .
(يقول الشيخ يوسف القرضاوي : وجوب وضع كل شيء في مرتبته، فلا يؤخر ما حقه التقديم، أو يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الأمر الكبير، ولا يكبر الأمر الصغير.
وهو في السيرة واضح: أن البدء كان بإرساء العقيدة لا تحطيم الأصنام, ومن الأولويات مراعاة النِّسَب للتكاليف الشرعية؛ فالعقيدة مقدمة على العمل, والأعمال متفاوتة لها أعلى وأدنى, وفقه الموازنات متداخل مع فقه الأولويات.
والاهتمام بالفروع قبل الأصول، وبالجزئيات: مرجوح, فمن الناس من يولع بكثرة الحج ولا ينفق لمقاومة تنصير أو مجاعة , والأعداء درجات فبمن نبدأ؟)
إن نظرة متفحصة للدعوة في عصر النبوة، تؤكد لنا تكامله وكليته على نطاق الفرد ومجموع جيل الصحابة .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرعى ويتابع الدعوة من شتى جوانبها، ففي نطاق التربية كان مربيًا، وفي نطاق التعليم كان معلمًا، وفي نطاق الجهاد كان قائدًا، وفي نطاق التخطيط والتنظيم كان رائدًا، وهكذا في كل جانب من جوانب الدعوة والحياة.
فنجد أن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على جانب من جوانب الدعوة والحياة، ولم ينحصر في شأن من شئونهما، وإنما امتد هنا وهناك وهنالك حتى شمل كل جانب، وتناول كل شأن.
والعمل الإسلامي في أي زمان ومكان ، ملزم بأن يقفو أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس له خيار في أن يتبع هذا الطريق أو ذاك.

إن العمل الإسلامي اليوم يجب أن يكون عملاً متكاملاً، مربوطًا في كل جزئياته بالكليات وفي النهاية بالهدف المنشود، وهو إقامة شرع الله في الأرض، سواء كان هذا العمل نشر الدعوة , أو التعليم , أو التربية والتوجيه أوالتثقيف الفكري ، أوالعمل السياسي ، أوالجانب الإقتصادي ، أوالجانب العسكري ، وكل عمل في أي مجال من هذه المجالات أو غيرها لا يرتبط بالهدف والكليات ، يفقد قيمته وفاعليته الإسلامية، بل يفقد مبرر وجوده.
3- لو نظرنا في نصوص الشريعة لوجدنها تتكون من نصوص دلت على الكليات , ونصوص دلت على الجزئيات , وفي نفس الوقت نجد نصوص الكليات حملت في طيها جزئيات .
فعندما نتحدث عن الصلاة فهي فرض وأصل من أصول الدين , لكنها تضمنت فرعيات وجزئيات مثل سنن الصلاة , فهل يعقل أن نغرق بالحديث عن التورك ونتجاهل دور الصلاة في تنمية وتطوير الإيمان, أو الخشوع في الصلاة , أو الإلتزام بصلاة الجماعة .
ماقيمة التورك , أو جلسة الإستراحة , أو تحريك الإصبع في التشهد , إذا لم تزيدنا الصلاة تقوى وخوف وخشية لله تعالى .
ولو نظرنا في النصوص التي تحدثت عن العقائد فنجد نصوص تحدثت عن الكليات ونصوص تحدثت عن
الجزئيات , فأركان الإيمان هي الكليات , ويتفرع عنها جزئيات .
فهل من المنطق أن ندخل في أدق التفاصيل والناس تجهل الكليات , هل من المنطق أن نهمل القلب ونهتم بصداع في الرأس .
التوازن مطلوب , وكل ماورد فهو من الدين , لكن يعطى لكل أمر حقه دون إفراط ولا تفريط , فلا يجوز تجاهل
النصوص التي تحدثت عن قضايا الكون والإنسان الكبرى وسنن التغيير , ونلهي المسلمين بجزئيات مهما تحدثنا عنها فلن تحقق تقدم ولا تطور .
فالأصل أن نتعلم ونتفهم الأصول فهما سليما صحيحا وبعيدا عن التعنت والتشدد , ثم بعد ذلك ينطلق المسلم للفرعيات ليزداد علمه وتتوسع دائرة معرفته .
- 2 -
( قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : لاتجعل قلبك كا لإسفنجة يتلقى هذه الأشياء ويتشربها فإنه حينئذ لاتخرج منه وإن خرجت يبقى أثرها )
تعجب من شخص يقدم نفسه أنه داعية , ويحض الناس على التعلم , لكنه يجعل من غطاء الرأس ولبس الثوب ( الغترة – الشماغ والثوب أي الجلابية ) أمرا عظيما ويتكلم عنه وكأن الدين جاء من أجل ذلك , وهذا اللباس هو الدين ,بل يجعل منه فيصلا في قضية الولاء والبراء , فيمتنع عن الذهاب للمدرسة لأن إدارة المدرسة رفضت أن يدخل المدرسة وهو يضع الغترة على رأسه ويلبس الثوب , فيترك التعلم الذي هو فرض في ديننا , من أجل جزئية !!!

4- الإغراق في الجزئيات جعل البعض يشخصنون أي حوار , فنقاش أي مسألة لديهم يتحول من نقاش حول الفكرة , إلى نقاش حول أشخاص , وتبدأ عملية التصنيف وكيل التهم والطعن وإتهام النوايا والتنقيب على مافي القلوب .
5- يظهر التناقض جليا عند بعض هؤلاء , فتجد أحدهم يركز على شرك القبور , بينما تجده واقع في شرك القصور,
مستعد أن يبقى سنة كاملة وهو يتحدث عن أولئك الجهلة الذين يتمسحون في القبور ويرتكبون بعض الشركيات , وطبعا لانقر هذه الشركيات وتلك البدع الفظيعة .
لكن هذا الداعية أو الشيخ لايتورع عن مدح الحاكم الظالم المستبد الذي يزج بالدعاة في السجون , ويزج كل من ينتقد الخطأ في السجون والمعتقلات فماذا يسمون لنا ذلك ؟ أليس هذا شرك القصور ؟؟؟
6- المنشغلون بالفرعيات , يقودهم ذلك إلى وضع كل الناس تحت المجهر , فيجعلون من تلك الجزئيات مقياسا لتقييم الآخرين , ولا تعجبوا من ذلك , قال لي أحدهم : أنا أنظر لثوب الشخص ولحيته , وبقدر قصر ثوبه وطول لحيته يكون عندي تقيا ملتزما , فالثوب واللحية هما الميزان والمقياس , ولايهم السلوك ولا يهم الإلتزام , لايهم أن تجد شخص يصلي في الصف الأول لكن لامانع لديه أن يذهب للديسكو يوم السبت أو الأحد !!!
لايهم أبدا عندهم أن تجد من ينظر لك نظرة شك وريبة بناء على جزئية يختلف فيها معك , لكنه لايحاسب نفسه على تلك الكبيرة التي يرتكبها عندما يعق والديه !!!
7- لابد أن نعرف حجم كل أمر ونتعامل معه حسب حجمه دون تضخيم , نتفهم أن يتم نصح المسلم القديم في الإلتزام فننصحه بالإلتزام ببعض الجزئيات , لكن شخص جديد الإلتزام فنحشوا رأسه بالفرعيات والجزئيات فيكبر ولا يعرف غيرها ويتعامل معها على أنها هي كامل الإسلام , فهل هذا منطق ؟؟؟
( يقول الشيخ محمد الغزالي تحت عنوان "كيف ندعو إلى الإسلام؟" يحكي الشيخ أنه دخلت عليه فتاة لم يعجبه زيها أول ما رآها، لكنه لمح في عينيها حزنا وحيرة يستدعيان الشفقة والرفق بها، وبعدما بثت شكواها علم الشيخ أنها فتاة عربية لكنها تلقت تعليمها في فرنسا، فلا تكاد تعلم عن الإسلام شيئا، فأخذ يشرح لها حقائق ويرد شبهات ويجيب على أسئلة، ويصف لها الحضارة الحديثة بأنها تعرض المرأة لحمًا يغري العيون الجائعة، ثم انصرفت إلى سبيلها.
ودخل بعدها شاب عليه سمات التدين يقول للشيخ في شدة: ما الذي جاء بهذه الخبيثة إلى هنا؟ فقال له الشيخ في رفق: إن الطبيب يستقبل المرضى قبل الأصحاء. فقال له الشاب: طبعا نصحتها بالحجاب؟ فقال له: الأمر أكبر من ذلك، هناك المِهَاد الذي لا بد منه، هناك الإيمان بالله واليوم الآخر، والسمع والطاعة لما جاء به الوحي في الكتاب والسنة، والأركان التي لا يوجد الإسلام إلا بها في مجال العبادات والأخلاق. فقاطع الشاب الشيخ قائلا: ذلك كله لا يمنع أمرها بالحجاب، فقال الشيخ في هدوء: ما يسرني أن تجيء في ملابس راهبة وفؤادها خالٍ من الله الواحد، وحياتها لا تعرف الركوع والسجود. فقاطعه الشاب ثانية.. فقال الشيخ في حدة: أنا لا أحسن جَرَّ الإسلام من ذيله كما تفعلون، إنني أشيّد القواعد، وأبدأ البناء بعدئذ، وأبلغ ما أريد بالحكمة, وجاءته الفتاة بعد ذلك بخمار على رأسها.)من كتاب الحق المر – ص 27- 28.
8- هناك تهويل في طرح بعض الأمور , بل لنقل هناك إسراف ومبالغة , تجلس تسمع لدرس علم مؤملا أن تستفيد مما تسمع , وإذا بك تسمع ذلك الشيخ يتحدث عن قضية فرعية , فيحشد النصوص التي لايجوز تنزيلها على
- 3 -
مايتحدث عنه , ومع ذلك يأتي بها ليستدل على صحة قوله وليشعر السامع بأهمية القضية وخطورتها , فيستلم البعض تلك الرسالة , ويجعلون منها فيصلا في علاقتهم مع الناس فمن أهتم بتلك الجزئية فهو ملتزم وما شاء الله عليه , أما إن لم يلتزم فينظر له نظرة شك وريبة !!!
9- لابد من التركيز على الكليات والأصول , فإنه إذا صلحت هذه , فتصلح الفروع لأنها تبع لها , والإهتمام بالكليات لايعني إهمال الجزئيات , لكن إهتمام بتوازن بحيث نحكم تطبيق الضغير والكبير .
هناك بعض العاملين للإسلام ، مهتمين أكبر الاهتمام بالمسائل الفرعية ، فهو شغلها بالنهار، وحلمها بالليل. حولها يتركز البحث، ولها تقام الدروس، وفيها يدور الجدل، ومن أجلها تحمى معارك الكلام والخصام.
لامانع أن يبحث الناس في المسائل الفرعية ، بحثا علميا مقارنا يرجح أحد الرأيين أو الآراء، إذا قام بذلك أهل الاختصاص، من العلماء القادرين المؤهلين لمثل هذا العمل العلمي الرصين، الجامعين بين الفقه والورع والاعتدال.
ولكن الخطر: أن يصبح البحث في المسائل الفرعية أكبر همنا، ومبلغ علمنا، وأن نضخمها حتى تأكل أوقاتنا وجهودنا وطاقاتنا، التي يجب أن نوجهها لبناء ما تداعى أو تهدم من بنياننا الديني والثقافي والحضاري. وأن يكون هذا الاهتمام والاشتغال على حساب القضايا التي لا خلاف عليها. إنني أود لو أن المسلمين جميعا حرصوا على إطلاق لحاهم، فأحيوا هذه السنة من سنن الفطرة، وخرجوا من خلاف من أوجبها من الأئمة، وتميزوا عن غيرهم من الأمم، وفوتوا الفرصة على رجال المخابرات الذين يعتبرون اللحية دليل اتهام! ومع هذا لا أود أن نشغل الناس بهذا، وأن نفسق من لا يعفيها، فهذا أمر عمت به البلوى،تشعر بالأسى عندما يحدثك أحدهم قائلا : أن أحد المولعين بالجزئيات ألقى تسع محاضرات في وجوب إعفاء اللحية، وتحريم أخذ شيء منها. كما تتألم عندما تتطلع على رسالة إسمها : - نهي الصحبة عن النزول على الركبة- وهو أمر يتعلق بهيئة الصلاة، وفيه أخذ ورد.. وكتاب آخر بعنوان: - الواحة في جلسة الاستراحة- إلى غير ذلك من الرسائل، والمقالات، والمحاضرات التي تدور حول هذه الأمور، التي اختلف فيها الأئمة، بين مثبت وناف، وسيظل الناس يختلفون فيها إلى ما شاء الله. وسر الأسف هو: التركيز على الأمور الخلافية، والشدة على المخالفين، فيما يجوز التساهل فيه، على خلاف ما كان عليه سلف الأمة.
10- الذين يضخمون الجزئيات يقدمونها للناس على أنها الإسلام كله بما يتضمنه بتشريعاته ونصوصه , ولا يكتفون بذلك بل يعتبرون كل مايتعرض له المسلمون من محن إنما هو بسبب عدم الإهتمام وتطبيق هذه الجزئيات كاملة .
وتجد أصحاب التضخيم يصرفون جل وقتهم مع الملتزمين وجدالهم حول تلك الجزئيات , وكأن الملتزمين هم
أسباب المشاكل التي يعاني منها المسلمون .
(يقول الشيخ يوسف القرضاوي : مشكلة المسلمين ليست فيمن يجهر بالبسملة أو يخفضها أو لا يقرؤها في الصلاة. ولا فيمن يرسل يديه في الصلاة أو يقبضهما، ومن يرفع يديه عند الركوع أو الرفع منه أو لا يرفعهما، إلى آخر هذه المسائل الخلافية الكثيرة المعروفة. إنما مشكلة المسلمين فيمن لا ينحني يوما لله راكعا، ولا يخفض جبهته لله ساجدا، ولا يعرف المسجد ولا يعرفه.
مشكلة المسلمين ليست فيمن يأخذ بأحد المذاهب المعتبرة في إثبات هلال رمضان أو شوال، بل فيمن يمر عليه رمضان كما مر عليه شعبان، وكما يمر عليه شوال، لا يعرف صياما ولا قياما، بل يفطر عمدا جهارا ونهارا، بلا خشية ولا حياء.
مشكلة المسلمين ليست في عدم تغطية الوجه بالنقاب، واليدين بالقفازين، كما هو رأي البعض، بل في تعرية الرؤوس والنحور، والظهور، ولبس القصير الفاضح، والشفاف الوصاف.. إلى آخر ما نعرف مما يندى له الجبين.
إن المشكلة حقا هي وهن العقيدة، وتعطيل الشريعة، وانهيار الأخلاق وإضاعة الصلوات، ومنع الزكوات، واتباع الشهوات، وشيوع الفاحشة انتشار الرشوة، وخراب الذمم، وسوء الإدارة، وترك الفرائض الأصلية وارتكاب المحرمات القطعية، وموالاة أعداء الله ورسوله والمؤمنين. مشكلة المسلمين، إنما تتمثل في إلغاء العقل، وتجميد الفكر، وتخدير الإرادة، وقتل الحرية، وإماتة الحقوق، ونسيان الواجبات، وفشو الأنانية وإهمال سنن الله في الكون والمجتمع، وإعلاء الحكام على الشعوب، والقوة على الحق، والمنفعة على الواجب. مشكلة الأمة المسلمة الحقيقية نراها واضحة كالشمس في إضاعة أركان الإسلام ودعائم الإيمان، وقواعد الإحسان.)
- 4 -
11- إن قوة الإسلام وعظمته وأثره، إنما تكمن في الدعوة إليه والتزامه وتطبيقه ككل، وحين يتم تفكيك أجزائه، ويصار إلى الاهتمام بجانب من جوانبه دون الجانب الآخر، يفقد هذه القوة والعظمة والأثر.
إن من المضار التي يخلفها التركيز على الجزئيات في العمل الإسلامي: تشويهها للشخصية الإسلامية، التي تكون قد تكونت من خلال منهج غير متكامل، ونظرة محدودة للأمور.
ومن المضار التي يخلفها التركيز على الجزئيات في العمل الإسلامي: تشويه صورة الإسلام بين الناس. ومن المضار التي يخلفها التركيز على الجزئيات في العمل الإسلامي: تبديدها وإضاعتها لكثير من الطاقات الإسلامية، التي لو وضعت في الطريق الصحيح، لعجَّلت من خطوات التغيير الإسلامي.
والحقيقة أن التركيز فقط على الجزئيات وجعلها هي الإسلام كله , هذه جريمة نكراء ترتكب بحق الإسلام الذي أراده الله متكاملاً، واصطفى محمدًا صلى الله عليه وسلم ليدعو إليه كاملاً، ومن ثم ليطبقه كاملاً، وصدق الله تعالى حيث يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا)، وهذا هو القرآن الكريم ينكر على بني إسرائيل تركيزهم بالإيمان على بعض الكتاب ، فيقول: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب).
إن تفكيك الإسلام وتقديمه فقط من خلال الجزئيات والفرعيات ، كمثل تفكيك أي جهاز متكامل الأجزاء، فإن مصيره التعطل مباشرة.
فما قيمة اليد أو الرجل أو الفم أو الأذن أو غيرها من أعضاء الجسم الإنساني إن بترت عنه ولم تبق في موقعها الذي تستمد منه الحياة والحيوية ؟.
وما قيمة أي جزء من أجزاء ساعة أو سيارة إن لم يأخذ مكانه، وما حدد له من أداء في جسم الآلة وعملها ودورها؟
12-التكامل مطلوب في العمل الإسلامي , ورحم الله الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فلقد تحدث عن التكامل في العمل الإسلامي فقال :
(كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عندنا، أن شملت فكرتنا كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتستطيع أن تقول - ولا حرج عليك -: إن دعوتنا:
دعوة سلفية: لأنها تدعو إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
وطريقة سنية: لأنها تحمل أصحابها على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
وحقيقة صوفية: لأن أصحابها يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير.
وهيئة سياسية: لأن أصحابها يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل، وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة.
وجماعة رياضية: لأن أصحابها يعنون بجسومهم، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف .. وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدَّى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي.
ورابطة علمية ثقافية: لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولأن أندية الجماعة هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف، ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح. - وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه، وهو الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) رواه أحمد بسند جيد.
وفكرة اجتماعية: لأن أصحابها يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاءها وهكذا نرى شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح، ووجه نشاطنا إلى كل هذه النواحي. ونحن في الوقت الذي يتجه فيه غيرنا إلى ناحية واحدة دون غيرها، نتجه نحن إليها جميعًا، ونعلم أن الإسلام يطالبنا بها جميعًا).
أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه , وأن يلهمنا رشدنا , ويجعلنا على طريق الصراط المستقيم .

هناك تعليقان (2):

  1. موضوع أكثر من رائع أخي في الله أستاذ طريف سلمت أناملك وأيضا العنوان للموضوع جدا مثمر.

    وما أكثر من يهتمون بسفاسف الأمور.

    بارك الله فيك ونفع الله بك الأمة الإسلامية العربية.

    ردحذف
  2. شكرا لك .
    الإسلام دين التوازن , وتضخيم جانب يعني الخلل والنقص في باقي الجوانب .

    ردحذف

أشكرك على المشاركة ,سيتم نشر التعليق بعد تدقيق مضمونه .
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)