الأحد، فبراير 13، 2011

خطبة الجمعة والدور المأمول


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين الذي أرسله الله رحمة للعالمين ومعلما للناس وهاديا إلى الصراط المستقيم .

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبر واحد ، مصنوع من الخشب، ليس فيه براعة النقش ولا روعة الفن، دعا الأمة منه , فلبت الدنيا واستجاب العالم وتغير وجه الأرض .. أما اليوم ، فإن الأمة تملك ملايين المنابر في أنحاء المعمورة ، أكثرها مزخرف منقوش ، مزود بأحدث المكبرات , ورغم ذلك كله فإن أثر هذه المنابر محدود إلا ما رحم الله !!

لماذا ؟

الجواب : فتش عن فارس المنبر!!!

للمسجد قداسته، ولخطبة الجمعة دورها الإصلاحي، وللخطيب جلاله ووقاره الذي يفرض على المصلين الإنصات إلى كلماته التي هي في النهاية معالجة لأمور الدين والدنيا.

وسيظل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رمزا لكل دعوة للخير , نهيا عما سواه , وستظل الدعوة المباشرة وجها لوجه هي الأكثر تأثيرا من بين الوسائل , لأنها تستخدم دون وسيلة أو واسطة .

كل ذلك يجعلنا جميعا مسؤولين عن بيان أهمية خطبة الجمعة وآدابها وشروطها ومواصفاتها لتكون ذا تأثير إيجابي في حياة المسلمين , ولا تقل أهمية الخطيب عن أهمية الخطبة فكلاهما جناحان بدون أحدهما لايمكن التحليق .

وأهمَّ ما يميز صلاةَ الجمعة عن غيرها من بقية الصلوات طوال الأسبوع كونها بمثابة مؤتمرٍ دوري من المفروض أن يشارك فيه المسلمون استجابةً لأمر الله تعالى حيث يقول جحل شأنه:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ الجمعة 9- 10

ولأهمية صلاة الجمعة وخطبتها وضع الإسلام مجموعة من التعليمات والتوجيهات التي تخص الخطيب والمصلين ولست بصدد التطرق لتلك التعليمات بالتفصيل بقدر ما سأبينه من عظمة وأهمية لمنبر الجمعة :

لمنبر الجمعة أهمية عظيمة في حياة المسلم , ففي كل يوم جمعة تهفو النفوس للمسجد لسماع الخطبة , وتشرئب الأعناق باتجاه المنبر , وتحدق الأنظار بالخطيب والأسماع تصغي لما يقوله , رجاء تحصيل الزاد الذي يقوي العزيمة , ويجدد الإيمان ويزيده.

وتكمن أهمية منبر الجمعة من خلال الأمور التالية:

1- فهي تتكرر مرة كل أسبوع ,كونها مناسبة مناسبة لعرض الخطيب للأمور التي تهم المصلين .

-1-

(روى الإمام شمس الدين الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء . أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان . سئل عن سبب سرعة الشيب عنده .فقال : وكيف لا , وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة).

2- خطبة الجمعة أمانة ومسؤولية , فالخطباء يحملون أمانة ومسوؤلية نحو الدعوة والتوجيه والتوعية والتربية , وبقدر ما يهتم الخطيب بخطبة الجمعة من حيث الموضوع والمضمون وأصول الخطابة بقدر ما تكون خطبته ناجحة ومؤثرة.

(يقول الدكتور كارنيجي في كتابه فن الخطابة : حدد موضوعك مسبقا حتى يتسنى لك الوقت للتفكير به طيلة سبعة أيام , واحلم به طيلة سبعة ليال , فكر به أثناء خلودك إلى الراحة , وفي الصباح ,وفي طريقك إلى المدينة , أو بينما تنتظر المصعد , وعندما تكوي الثياب , أوحين تطهو الطعام , وناقشه مع أصدقائك , واجعله موضوع حديثك , واسأل نفسك جميع الأسئلة الممكنة التي تتعلق به).

3- إن خطبة الجمعة يجب أن تلامس واقع الناس , فبقدر ما يحتاج الناس للتذكير بأمور العقيدة والدين وما بعد الموت ,فهم بحاجة ماسة لمن يتطرق لهمومهم وواقع حياتهم.

4- وتزداد أهمية منبر الجمعة , مع ازدياد هذا الكم الضخم من وسائل الإعلام التي غزت بيوتنا وعقولنا , مما يتطلب أن يكون منبر الجمعة وسيلة للتحصين والمناعة.

5- خطبة الجمعة دعوة إلى الله , وبما أن الخطبة عبارة عن كلام يتم إيصاله للناس , فما يزال للكلمة الأثر الكبير في الدعوة إلى الله تعالى , ومايزال للكلمة دور فاعل في عملية التغيير والإصلاح.

فمن على منبر الجمعة تطرح قضايا : العقيدة , أحكام الشريعة , معالجة المشاكل , هموم الناس , الإهتمام بقضايا المسلمين , وشحنت النفوس للجهاد في سبيل الله للدفاع عن دين الله , لذلك لابد من حكمة ووعي وثقافة ومعرفة وعلم بما يطرح على المنبر.

6- خطبة الجمعة شعيرة خالدة ومعلما بارزا في حياة المسلمين , وفي أحلك الظروف بقي منبر الجمعة صامدا بوجه كل التحديات يصدع كل أسبوع بكلمة الحق.

كما لايمكن لنا أن نهمل الحديث عن المعاني الغائبة عن خطبة الجمعة وسبب الغياب هو التساهل من قبل بعض الخطباء الذين يقفون على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ليسوا أهلا لتلك الوقفة ولكن ظروف ما فرضتهم على الناس فرضا وبدون رضا الناس واختيارهم .

وهذه المعاني الغائبة :

1- يجب ان تكون خطبة الجمعة بمثابة مؤتمر أسبوعي للمسلمين , يطرح فيه الخطيب ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم , لكن الواقع يقول أنها اصبحت عمل روتيني تقليدي.

فالإسلام ليس دين طقوس وشعائرجامدة لا حياة فيها , لقد كان صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء يناقشون هموم الناس

وقضاياهم من على منبر الجمعة.



-2-

2- يلاحظ الأثر السلبي الذي يتركه بعض الخطباء , وتجد ذلك واضحا بعد انتهاء الخطبة حيث تسمع النقد للخطيب , وطبعا أسباب النقد كثيرة , منها يتعلق بمضمون وموضوع الخطبة , ومنها يتعلق بأسلوب الخطيب , ومنها يتعلق بالأخطاء باللغة العربية ,ومنها ما يتعلق بالأخطاء في تلاوة بعض آيات القرآن الكريم , ومنها يتعلق بالإطالة من غير فائدة , ومنها يتعلق بتكرارالأفكار , وخطب هذا مستواها لاتقيم أمة ولا تصلح مجتمع , وتنفر الناس من المساجد .

3- إهمال المشاكل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تفرض نفسها على الواقع , والتركيز فقط على الجانب التعبدي والعقدي رغم أهميتهما ,فالإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة ولا يجوز بأي حال تبعيضه وتجزيئه والتركيز على جانب وإهمال الجوانب الأخرى.

وعندما نتكلم عن طرح الأمور السياسية فلا نقصد الدخول بالتفاصيل التي تؤدي للاختلاف , بل يتم طرح واقع المسلمين بمبادئ عامة ليرتبط الناس دائما بقضايا الأمة.

4- عدم مراعاة مستوى الناس وطبائعهم وعاداتهم , وطبيعة المجتمع والبيئة المحيطة

(من حكم أفلاطون أنه قال : لكل أمر حقيقة , ولكل زمان طريقة , ولكل إنسان خليقة , فالتمس من الأمور حقائقها

وأجر الأزمنة على طرائقها , وعامل الناس على خلائقها).

5- الغوص في الجزئيات والفروع والمتشابهات, وقلما يتحدثون عن الأصول والقواعد والمحكمات , وينتج عن ذلك الغوص ثقافة عامة في المسجد تتحدث فقط عن الخلافات الفرعية والتركيز على الجزئيات , فيكون ذلك الخطيب هو المسبب للمناكفات والسجال والجدال الذي لاطائل منه .

6- فقدان التوازن في طرح المواضيع أو الموضوع الواحد , فيجب طرح الخطبة من كافة النواحي وعدم التركيز على جانب معين,بل نجد بعض الخطباء وفي الخطبة الواحدة يطرحون أكثر من موضوع لايربط بينهما أي رابط , فيجعلون السامع يعيش حالة من التيه , ولايدري أحد مالذي يريد الخطيب أن يوصله للمصلين .

بعض الخطباء يشتكون من عدم تجاوب الناس مع الخطبة سواء في وقتها أو في وقت لاحق , سؤال من حق كل خطيب أن يطرحه , ولكن بالمقابل من حق الناس أن ينتقدوا هذا الخطيب أو ذاك خاصة عندما يكون الخطيب ليس أهلا للوقوف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وبالتالي، فإنه من المؤكَّد أن الإنصات والانتباه للخطبة لن يتحقق من المأمومين، إلا إذا كان الإمامُ وما يلقيه يستحقَّانِ ذلك، وإلا كان في الالتزام بهما مشقةٌ نفسية حقيقية، يغيب عنها الرضا بما يقال وبمن يقول، وهو ما يرفضه أيضًا الإسلامُ ولا يقبله لأتباعه, إذ ستتحول الخطبة في حال عدم توفر الشروط الواجبة في الخطيب والخطبة إلى معاناة لا جدوى من ورائها.

والحقيقة المؤسفة أن ذلك النمطَ من الخطب والخطباء من غير المدركين لأهمية الخطبة وطبيعتها أصبح هو النمطَ السائد في الكثير من المساجد والمصليات، المنتشرة في العديد المساجد والمصليات في الغرب ، وهو ما كان سببًا رئيسًا في أن تتحول خطبة الجمعة في مِثل هذه المساجدِ من فاعلية إسلامية مهمة، باعتبارها أبرز قنوات الاتصال في الإسلام، وأكثرها التزامًا بما ورد في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء ثقيل على القلب، يذهب إليه المسلمون ليس إلا من باب تأدية الواجب الاضطراري، دون الشعور بالسعادة الواجبة في مثل هذه المناسبات.

-3-

ولعل ما أصبح واضحًا جليًّا أمام الجميع من حال الكثيرين من الحاضرين لخطب الجمعة دليلٌ قاطع على ذلك التردِّي في مستوى الخطب والخطباء, فالكثير منهم يستغلُّ الخطبة فرصةً للنوم، أو مراجعة حساباته المالية، أو الانشغال التام فيما يجب أن يفعل أو لا يفعل في حياته الدنيوية الخاصة، بما يجعله في نهاية الأمر في حالة انفصالٍ نفسي تام عن الأجواء الروحانية والإيمانية، التي كان يجب أن يحياها المستمعُ بتفاعله وتأمُّلِه لما يقوله الخطيب ويلقيه على مسامع الناس.

وبغض النظر عن طبيعة المأمومين، الذين ربما يكون من بينهم ضعيفُ الإيمان، أو الجاهل، أو المنشغل بالحياة الدنيا، فإن هذا الحال الذي يكون عليه أغلبُ المأمومين يعود بالأساس إلى أحد عاملين :

الأول: يرتبط بالإمام أو الخطيب، الذي من المحتمل أن يكون ممن يقولون ما لا يفعلون، فهو إذًا ممن فقدوا المصداقيةَ عند الناس، الذين ما كان اجتماعُهم والْتفافهم حوله في صلاة الجمعة وخطبتها إلا اضطرارًا, لاعتبارات كثيرة ترتبط بمجاورتهم لمسجدٍ بعينه، أو لكون هذا الخطيب يقوم بذلك من منطلق القيام بدوره الوظيفي البحت،أو تراه ممن لايمتلك أسلوبا مقبولا للخطابة ,أو يتبع أسلوبا تنفيريا للناس , أو ممن لايتقن اللغة العربية , أو تراه يلحن في الكلام ويخطئ في تلاة آيات القرآن الكريم , أو ممن لايجد بدا من توبيخ المصلين وتحميلهم قضايا وأمور لاعلاقة لهم بها فتراه أي الخطيب يتكلم والمصلون أمامه أطفال صغار يريد أن يؤدبهم ويعلمهم .

الثاني : يرتبط بطبيعة الخطبة وما يقال فيها، فضلاً عن أسلوبها,فبعض الخطباء لا يلتفتون التفاتًا جيدًا للدور المنوط بهم، فيهملون جانبَ التحضير والإعداد الجيد للخطبة، التي يجب أن يسبق إلقاءها تحديدٌ لعناصرها، فتخرج الخطبة مفككةً لا رابط بين عناصرها، فتصيب المستمعَ بالملل وعدم التركيز، فضلاً عن افتقاد الاستفادة منها.

وكثير من الخطباء لا يحسنون اختيارَ مواقيت ومناسبات موضوعات الخطبة، فيخصصون خطبتهم للحديث عن الموت وقد اقترب العيد، أو الحديث عن الحج وعلى الأبواب شهر رمضان، وهو ما يثير الاستياء، ويجعل من الخطبة كلامًا بعيدًا عن تلك المشاعر التي تأهَّبتِ النفسُ لاستقبالها.

ولا يمكن إغفال ذلك الذي يقع فيه الكثيرُ من الخطباء من البُعد عن واقع الناس وحياتهم، فينقّبون في التاريخ بحثًا عن قضايا وإشكاليات لا تمسهم من قريب أو بعيد، فيكون حديثهم أقربَ للسفسطة والاستعراض الثقافي منه للوعظ والإرشاد والتوجيه، وطرحِ الحلول الإسلامية لما يعانيه الناس من مشكلات.

ويرتبط بذلك أيضًا ما يردِّده بعض الخطباء في خطبهم من أحاديثَ ورواياتٍ لا أصل لها، ونسبتها للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولصحابته الكرام، على الرغم مما تحمله هذه الرواياتُ من مضامينَ مخالفةٍ لعقيدة الإسلام وشريعته، ما يكون له أثرُه الخطير على عقائد الناس ومعارفهم.

كذلك فإن من الخطباء من لا يمَلُّ من تَكرار خطبه، التي ربما أصبحتْ محفوظة عن ظهر قلب لدى بعض المصلِّين، الذين أصبح الواحد منهم يعرف ومنذ الكلمات الأولى ما الذي سيلقيه الخطيب على مسامعهم، وهو بقدر ما يكون أمرًا منفرًا، هو أمرٌ يثير الضحك والتندر.

ويضاف إلى هؤلاء: أولئك الخطباء المغرمون بالإطالة والاستطراد، والذين يصِلُون بالمستمعين إلى درجةٍ من الاستفزاز، متوهمين أو موهمين أنفسَهم بأن الناس في حاجة للاستزادة من سماعهم، وأن ما يلقونه على أسماعهم مما يروق لهم، ناسين أو متناسين أن الرسول الكريم وهو من هو، صلى الله عليه وسلم كان يوجز في خطبته، وهو القائل:



-4-

(إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ؛ فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا).

وبعد التعرف على حقيقة وأهمية خطبة الجمعة فلابد من التعريج على ما حصل في مسجد مدينة أوربرو وسط السويد بتاريخ 11/2/2011.

حيث صعد المنبر خطيب الجمعة ويبدوا أنه لايتقن اللغة العربية كونه غير عربي .

وقبل التفصيل بما حدث فأود توضيح أمر ما طالما عزف عليه بعض الشواذ والنشاز لأنهم أبطال في الإصطياد في الماء العكر من قبل البعض الذين تربوا على نشرالفتنة والنميمة بين الناس فتراهم كلما كتبت مقالا يأخذون المقال ويذهبون به للبعض قائلين : اقرأ ماذا كتب عنك فلان .. وهو يقصدك أنت في هذا الكلام .. وهكذا تراهم كما هي الحشرات لاتعيش إلا على القاذروات ولاتقع إلا على النجاسات .ومع الأسف بعض هؤلاء يستلمون بعض المناصب في إدارة المسجد .

لامشكلة مع الخطيب نهائيا , بل هناك ما يدعو للفخر أن الرجل تمكن أن يتحدث اللغة العربية وهو غير عربي , كما أنه هذه إمكانياته وقدراته.

إنما المشكلة بمن سمح له بالصعود إلى المنبر لخطبة الجمعة ,وسوف أسرد الأسباب التي كان يتوجب النظر فيها قبل السماح له بخطبة الجمعة .

خاصة إذا علمنا أن مثل هذا الخطأ قد تكرر مرات ووقعت لجنة الدعوة والإدارة في حرج عدة مرات بل ووضعت الناس في مواقف محرجة بسبب الفوضى والإرتجال اللذان تتسم بهما هذه الإدارة ولجنة الدعوة, وتم نصحهما مرات ومرات ولكن يبدوا أن العناد لدى البعض منهم لايختلف عن عناد بعض الزعماء العرب الذين وقف الشعب يرفضهم وهم يتمسكون بمنصبهم .

وأعود لموضوع يوم الجمعة وماحصل به .

1-الموضوع الذي طرحه في الخطبة وهو كيف شرح الله صدره للإسلام , فهذا ليس موضوع خطبة جمعة , بل يمكن أن يكون خاطرة أو موعظة بعد أي من الصلوات غير الجمعة .

2-الخطيب لايتقن اللغة العربية وكما قلت هذه ليست منقصة بحقه فهو غير عربي وبارك الله به أنه استطاع ان يتقن شئ من اللغة العربية , لكن أن يصعد المنبر لخطبة الجمعة ويتحدث باللغة العربية فيقلب المعاني ويغيرها بطريقة غير مقبولة على الإطلاق , وأجزم أنه لم تمر عبارة إلا وفيها أخطاء لو صدرت من شخص لاتتفق معه الإدارة ولجنة الدعوة لأقامت الدنيا عليه ولم تقعدها.

3-لقد أخطأ كثيرا أثناء تلاوته لبعض آيات القرآن الكريم من حيث التشكيل ومن حيث اللفظ , كما كان يقفز على بعض الكلمات في الآية الواحدة .

4-الأخطاء في تلاوة القرآن أثناء صلاة الجمعة من حيث التشكيل ومعلوم أن ذلك يؤثر على المعنى ويترتب على ذلك أمور شرعية تخص قبول الصلاة وبطلانها .

5-قوله أن من لم يحضر ثلاثة جمع متعمدا فهو كافر ونسب ذلك لحديث صحيح , ونرجوا من القائمين على شؤون الدعوة في

-5-

المسجد ان يبينوا للناس مدى صحة هذا الكلام من الناحية الشرعية , بتكفير الناس بهذه الطريقة من على منبر رسول الله صلى

الله عليه وسلم , ولقد تكرر مثل هذا الخطأ وخاصة من قبل المقربين من لجنة الدعوة ولم تكلف لجنة الدعوة نفسها عناء التصويب , بينما عندما يأتي الخطأ من شخص غير مقرب من الإدارة ولجنة الدعوة فيتم التصويب والتصحيح مباشرة , ولا أدري لماذا هذا الكيل بمكيالين وهذا التناقض العجيب ؟!

6-التكرار الممل , فالجملة الواحدة يعيدها المرة تلو المرة وكلما شعرنا أنه تجاوزها وإذا به يعود لها , وهذا يجعل السامع يشعر بالملل والسآمة , وبدا ذلك واضحا على وجوه المصلين حيث بدأ كثر ينظرون بوجه بعضهم كنوع من استهجان أسلوب الخطيب وتكراره الممل , حتى هم البعض بترك المسجد لولا مكانة صلاة الجمعة .

7-الإطالة في موضوع لايحتاج لأكثر من عشرة دقائق بينما أخذ الخطيب 40 دقيقة , حتى إنه في الخطبة الثانية وبعد الدعاء ومعلوم أن الدعاء هو نهاية الخطبة وإذا بالخطيب وبعد الدعاء يعود للخطبة ثانية .

8- حجة القائمين على شؤون الدعوة في المسجد أن هذا الخطيب يتبع لجالية معينة ولا بد من إرضاءهم , وتلك حجتهم لبعض المواقف المشابهة لذلك الموقف.

ولا أدري فهل نحن أمام برنامج ما يطلبه الجمهور ؟

هل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح مجالا لإرضاء هذه الجالية أو تلك ؟!

إلى متى سيبقى هذا العبث بعقولنا ؟

كم مرة تأتون بأشخاص ويعفسون ويخطؤون وبدل أن تعتذروا عن أخطاءكم تلك تبررونها وترفضون سماع أي نقد معتبرين أنفسكم فوق النقد والنصح ومعتبرين أنفسكم معصومين ومقدسين, وكلما انتقد شخص أخطاءكم تغضبون وتنزعجون وتعتبرونه صاحب فتنة ,ولو علمت الناس حقيقة بعض من في الإدارة لعلم الناس حينها من هو صاحب الفتنة .

تقفون على المنبر وخلف الميكرفون تحدثوننا عن سلامة القلب والسماحة والمسامحة والأخوة بل أنتم بينما مجرد أن ينتقدكم شخص بموقف معين فتشنون عليه حربا من القيل والقال وتكفهر وجوهكم ولا أريد أن أفتح ملفات توضح حقيقة البعض , لقد سقطتم في الإمتحان وفقدتم المصداقية وانطبق عليكم قول الله تعالى :

(سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم * يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون *) الصف 1-3.

بكل بساطة كان بالإمكان لهذا الرجل أن يعطي درسا للجالية التي يتبع لها وبلغتهم وينتهي الأمر كما يحصل مع جاليات أخرى , ولكن يصعد المنبر ويخطئ كل هذه الأخطاء , فهذا خطأ فاحش بحق المنبر والمسجد والمصلين .

عقول الناس ليست ملك لكم لتعبثوا بها بهذه الطريقة التي تكررت .

منذ فترة دعوتم شاب لمحاضرة وتبين لكم قبل مجيئه أنه يحمل فكر متشدد ومتطرف , ومعروف من دعاه وبدون علم الإدارة وأعضاء لجنة الدعوة , ثم بررتم هذا الخطأ وكل واحد من المعنيين بالأمر أخذ يتهرب ويلقي باللائمة على غيره , ثم بعد كل ذلك تقولون لماذا يوصم المسجد أنه صاحب فكرمتطرف ومتشدد , لأنكم أنتم السبب في ذلك وتتحملون هذا الأمر كله .

-6-

نرجوكم كفاكم عبثا فهذا المسجد ليس قطاع خاص ولا ملك شخصي ولقد طفح كيل أخطائكم .

ولا تدفعوا بالناس كي تنشر كل شئ وتضع الجالية بصورة الوضع وحقيقته ليعرف الناس حقيقة بعض من يستلم مسؤوليات في المسجد .

وهنا لا أعمم بل اقصد أشخاص بعينهم وهم مسؤولين عن كل ما يحصل .

كنت قد بدأت بسلسلة من المقالات تحت عنوان : وقفات تقييم ونقد للعمل الإداري في مسجد أوربرو بتاريخ 28/11/2009 وتدخل بعض من أعضاء الإدارة ولجنة الدعوة ومجلس الأمناء للتوقف عن متابعة الكتابة وأنهم سيعملون على إصلاح الأمور فتوقفت عن الكتابة أملا ورجاء في البدء بالإصلاح ,وها قد مرت كل تلك المدة ولم يتحقق الإصلاح الذي وعدتم به , بل كم من عهود قطعتوها على أنفسكم ولم تلتزموا بها , مما يؤكد لي أنه لاتوجد نية ولا إرادة في الإصلاح ,بل على العكس تبين لي أن هناك من يريد بقاء الفوضى والإرتجال ليبقى متفردا مستبدا في منصبه , والآن وبعد هذا الصبر فأجد أنه من الخيانة أن أسكت عمن يعبث في هذا المسجد الذي ليس ملكا شخصيا لأي شخص أو جهة .

لذلك سأستنف الكتابة وأضع النقاط على الحروف وأسمي الأشياء بأسمائها وسأفصل في كل قضية , فبيت الله يستحق أن ندفع عنه عبث العابثين وستعرف الجالية الحقائق كما هي .

علما أنني لم أترك أسلوبا للنصح إلا واتبعته ولكن يبدوا أن آخر الدواء الكي .

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو

12/2/2011

الأربعاء، فبراير 09، 2011

سيرة ذاتية لمواطن سوري

أنا حسام القطلبي.

أنا سوري.

أنا لست ابن جلا ولا طلّاع ثنايا.

أنا عمري 29 سنة طوارئ.

أنا الذي زار فرع (الأمن السياسي) قبل أن يزور المدرسة.

أنا من تعلّم كيف يتهجى (مخابرات) قبل أن يقول (بابا).



أنا من سكن بيوتاً بائسة مهددة دائماً بمداهمات الأمن.

أنا من سُرّح أباه المهندس، وأمه المدرّسة من العمل.

أنا من زار سجن صيدنايا وتدمر ودوما والمسلمية قبل أن يستطيع إمساك القلم.

أنا من ذهب طفلاً إلى مواعيد سرية ليلتقي.. أمه !

أنا من لم يجرؤ لسنوات على مناداة أمه (ماما) كي لا تنكشف هويتها وتُعتقل.

أنا من طُلبَ منه -قبل أن يتعرف على باسم ورباب وميسون ومازن في كتاب القراءة المدرسي- أن يفتدي أحد ما بالروح والدم.

أنا من تلقى في سنِّ السابعة صفعة من ضابط الشرطة العسكرية عندما غنّى أمام قضبان سجن صيدنايا: هي يا سجّانة .. هي يا عتم الزنزانة !

أنا من وقف طفلاً لسنوات،طوال الليل، أمام فرع الشرطة العسكرية في القابون، ينتظر (إذناً) بزيارة أباه المعتقل.

أنا من لم يرَ أباه يتناول القهوة في صالون المنزل صباحاً.

أنا من لم يرَ أمه تعد الفطور و(سندويشات) المدرسة.

أنا من اكتشف مؤخراً أنه كان رغم كل شيء: طلائعياً وشبيبياً.. إلخ..

أنا من طُلب منه طفلاً أن يتصدّى؛ للامبريالية و الصهيونية والرجعية، ويفتدّي القائد المناضل بروحه ودمه، حين كان أطفال العالم يتعلمون العزف على البيانو، ورسمَ بقرة ترعى في حقل.

أنا من ارتدى لسنوات زي المدرسة العسكري، حين كان أطفال العالم يرتدون ألوان الحياة.

أنا من درس لسنوات في كتب (القومية الاشتراكية) أنّ بلده هي حزب واحد.. لها قائد واحد.. وكان ذلك يسمى (التربية الاجتماعية).

أنا من حفظ (المنطلقات النظرية لحزب البعث) ونال عليها 7 علامات في امتحان الثانوية العامة، حين كان العالم مشغولاً بدراسة نظام (ويندوز).

أنا من قال له عميد كلية الآداب في جامعة حلب، حين اعتصمتُ ورفاقي في ساحة الجامعة ضد الاحتلال الأميركي للعراق: جاي تدرس ولا تاكل خرا !

أنا نصف معارفي و أصدقائي وأهلي معتقلون سابقون، أو حاليون، أو منفيون.. والنصف الآخر ممنوعٌ من السفر.

أنا من تعلّم أن للأمن فروع عسكرية و جوية و سياسية و.. وأنّه من اختصاصها جميعاً.

أنا من لم يحمل أحدٌ من عائلته يوماً سكيناً في وجه أحد.

أنا من لم يصفعْ وجه أحد يوماً.

أنا حسام القطلبي.. سوري الجنسية.. ولا أحمل جنسية أخرى.

أنا صاحبُ طفولة ضائعة، وشباب محطم.

أنا أحبّ البوعزيزي.
العنوان الاصلي: سيرة ذاتية

السبت، يناير 29، 2011

الجمعيات والمراكز الإسلامية في أوربا وحظها من العمل الإداري والمؤسسي


تنويه : ليس المقصود من العنوان التعميم بل القصد هو تلك الجمعيات والمراكز الإسلامية التي تعمل بلا هدف ولا خطة ولابرامج ولا رؤية ولا هيكيلية تنظيمية ولا عمل مؤسسي , بل يقودها عقلية رئيس متفرد مستبد .

طالما أننا نتحدث عن جمعيات ومراكز إسلامية فهذا يعني أنه عمل دعوي ونشاط لتقديم الإسلام بصورته الصحيحة سواء للمسلمين أو لغيرهم .

ولا نحتاج لإثبات أهمية العلم والصدق والإخلاص في الدعوة فذلك مجاله في غير هذا المقال , إنما أريد التركيز على أهم خصائص العمل الدعوي الذي نريد أن يؤتي أكله ثمارا طيبة ناضجة , حيث من أهم خصائصه أنه عمل مؤسسي منظم لا تستطيع أن تؤديه على خير وجه دون أن يكون هناك تنظيم وإدارة ونظام.

والقاعدة الفقهية تقول : أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الدعوة لله تعالى لاتنتج وتحلق إلا بجناحين هما :
1- الروح الدعوية التطوعية.
2- الروح المؤسسية المنظمة.

وأي خلل في أحد الجناحين فيعني الفشل والتخبط والإرتجال والمراوحة في المكان وضياع الوقت والجهد والمال , وفي نفس الوقت لايجوز تحميل الجناح الآخر نتائج هذا الفشل .

في ثقافتنا الإسلامية يوجد فقه الحلال والحرام وفقه السيرة وفقه الواقع ... وكذلك يجب أن نوجد ما يسمى بقفه الإدارة في مؤسساتنا وجمعياتنا ومراكزنا , وليكون هذا الفقه ناضجا فلابد ان يشمل :

1- رسالة وأهداف واضحة ومحددة.

2- هيكل تنظيمي وتوصيف للمهام والوظائف والمسئوليات والصلاحيات .

3- كوادر بشرية تمتلك الخبرة والكفاءة ومستعدة للعمل.

4- معلومات كافية تسهل في عملية اتخاذ القرارات المناسبة .

5- العمل بروح جماعية تستند للشورى والمشاورة وترفض التفرد والإستبداد.

ولنعد للبنود الخمسة السابقة لنتعرف على المقصود من كل بند .

رسالة وأهداف واضحة ومحددة .

فلينظر كل مسؤول وكل عامل في أي جمعية أو مركز يعمل وينشط بها :
هل لتلك المؤسسة رسالة مكتوبة وواضحة ، ويعرفها جميع من يعمل في تلك المؤسسة ؟

هل هذه الرسالة تجيب بوضوح عن سبب وجود تلك الجمعية أو المركز وماهو الغرض من إنشائها ؟

ماذا تقدم تلك الجمعية أو المركزللمجتمع المحيط أو الذي توجد فيه ؟

ماذا أضافت تلك الجمعية أو المركز للمجتمع ؟

هل هذه الرسالة تحدد الأهداف وتنفيذها خلال مدة محددة ؟

أصحاب العقلية الفردية والذين يفتقدون للعمل المؤسسي سوف يقللون من أهمية العمل المؤسسي وباستمرار يكون ردهم :ما هي الفائدة من وجود هذه الرسالة ؟

إن وضع الرسالة الواضحة والمحددة لأي مؤسسة سوف توضح الرؤية التي تعمل من خلالها، وبالتالي سوف تضع أمام أعين العاملين جميعًا الهدف الذي يسعون إليه وينشغلون به، فيركز كل شخص على الوصول لذلك الهدف.

أما الكلام المنمق والخطب الحماسية التي تستثير المشاعر والعواطف فهي ذات أثر وقتي ثم تنسى , أما النظام والتخطيط ووضع البرامج والمتابعة فهو الباقي .

هيكل تنظيمي وتوصيف للمهام والوظائف والمسئوليات والصلاحيات .

عندما ننظر في واقع بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية من تداخل وتضارب وتعارض بين المسئوليات والصلاحيات ,وعندما تجد رئيس المركز يتجاوز الجميع ويقرر نيابة عنهم , وعندما تجد رئيس لجنة يتدخل في شؤون اللجان الأخرى , وعندما تجد لجان ميتة ولا تقوم بأي نشاط , ثم بعد ذلك تجدهم يستعرضون نشاط المركزوكأنك أمام مؤسسة عريقة في العمل المؤسسي , بينما الواقع والحال يؤكدان الخداع الفظيع للناس, ومما يؤسف له أن من تحسن الظن بهم يشاركون في هذا الخداع , وإن لم يشاركوا به فهم يعلمون حجم الخداع ومداه لكنهم يصمتون !!! ولكن مهما طال الوقت فسيكتشفهم من يعمل معهم أولا ثم يكتشفهم الناس على حقيقتهم , وهناك مراكز وجمعيات ومؤسسات انكشفت حقيقتها فانفض من حولها الناس عندما عرفوا الحقيقة .

الذي يريد النجاح لجمعيته ومركزه فعليه أن يعيد تنظيم المركز من جديد، ورسم هيكل تنظيمي يحدد العلاقات بين العاملين واللجان المختلفة، وبالتالي يحدد العمل الذي تقوم به كل لجنة وصلاحياتها ومسئولياتها، فلا يُعقَل أن تقوم مثلا لجنة الدعوة بدور اللجنة الإجتماعية , أو تتدخل اللجنة الإجتماعية بعمل اللجنة المالية , وهذا التعارض والتدخل يحدث تشاحن وجفوة بين العاملين، فالطبيعي أنه حين تكون الأمور غير منتظمة أن يحدث هذا التشاحن.

فلا بد من التوصيفات لكل مهمة ووظيفة ، بحيث تُحدّد لكل فرد في المركز ما هو العمل الذي يقوم به بالفعل، وما هي صلاحياته ومسئولياته، وبذلك وباحترام هذه التوصيفات سوف تقل كثيرًا المشاحنات والجفوة بين العاملين .

كوادر بشرية تمتلك الخبرة والكفاءة ومستعدة للعمل.

قيل : ضعوا الرجل المناسب في المكان المناسب ...

دائما نشتكي من الأنظمة المستبدة أنها تجمع حولها البطانة الموالية المصفقة والتي تهز الرأس دائما بالموافقة , لكن هناك
مؤسسات إسلامية لاتقل سوءا في ذلك المجال عن تلك الأنظمة , حيث تجد الرئيس يحاول تقريب الموالين والمصفقين

له , ويحاول إبعاد أصحاب الخبرة والكفاءة والرأي المستقل , وهناك أمثلة شاهدة على ذلك سيأتي يوم ونتحدث عنها ونسمي الأشياء بأسماءها , وقريبا سأبدأ بسلسلة قد بدأت فيها منذ مدة ولكن تدخل بعض الأشخاص ورجوني بالتوقف عن الكتابة ونزولا تحت رغبتهم وأملا في الإصلاح توقفت , ولكن وبعد أن وجدت أن هناك عقلية متحجرة ومتخشبة ولها مآرب أقل ما يقال عنها أنها لاتعيش إلا على التفرد والإستبداد وتفريغ العمل الإسلامي من مضمونه , فوجدت لزاما أن أعيد الكتابة منذ اللحظة الأولى ليعرف الناس الحقيقة .

إن العمل لله تعالى إن لم يكن متجردا وبعيدا عن المجاملات على حساب الدعوة فهو عمل فاشل وأقل ما يقال عنه أنه عمل لتخليد الأمجاد الشخصية .

تتألم عندما تسمع لمسئول في أحد المراكز الإسلامية وهو يبرر وجود أحد الأشخاص في الإدارة قائلا : وضعناه لأن لسانه طويل !!!

أو وضعناه إرضاء للجالية التي يتبع لها , وطبعا هناك معادلة ليست سهلة في التوفيق بين مكونات الجالية , لكن بالإمكان إختيار أصحاب الكفاءة والخبرة من كل جالية .

في أحد الإدارات تم اختيار شخص ليشغل رئيس إحدى اللجان , والمشكلة أنهم يعلمون أنه ليس أهلا لذلك المنصب وغير نشيط ودائما يتحدثون في غيبته ويشتكون من عدم قدرته على العمل ومع ذلك يصرون على بقاءه !!!

فأي إدارة تلك التي يطعن بعضهم ببعض؟ , وأي رئيس مركز أو جمعية هذا الذي يطعن بمن يعمل معه ؟.

هناك كلام كثير سيقال ويبدوا أن هذا المركز يحتاج لوثائق ويكيليكس لتكشف المستور !!!

ولتكون عملية الإختيار شفافة وبعيدة عن الأهواء والمصالح الشخصية فلا بد من وضع قواعد وأسس صحيحة , ومما يساعد على حسن الإختيار :

أن يكون صاحب خبرة وكفاءة ولديه معلومات جيدة عن المجال الذي سيعمل به .

عمل دورة توضيحية حول رسالة المركز وأهدافه وطبيعة عمله وأنظمته ولوائحه .

تعريف كل عضو إدارة وعضو لجنة وأي من العاملين بواجباته وإطلاعه على التوصيف الوظيفي .

تعريفهم بحدود مسؤولياتهم وصلاحياتهم .

عمل دورات وبرامج تدريبية لتطوير المهارات والقدرات .

متابعة ما يصدر حول علم الإدارة .

لقد حث الإسلام على انتقاء ذوي الكفاءات ، ومن العدل والإنصاف والصدق والإخلاص أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب , فتضع المحاسب في القسم المالي , والإداري مديرا , ومن الظلم والخيانة أن تضع الجاهل في موضع العالم , والضعيف وعديم الخبرة مديرا .
كثيرا ما يقف الخطباء على المنابر يحدثوننا عن أحاديث علامات الساعة ومنها أن يوسد الأمر إلى غير أهله ، وذلك تضييع

للأمانة كما في الصحيح وغيره, لكنهم لايعقبون على ذلك موضحين أنه حتى إدارات الجمعيات والمراكز لها علاقة بذلك

الحديث , لأنهم لوفعلوا ذلك فقد يخسرون الصعود على المنبر ...

فالنجاح بصفة عامة يكمن في تكوين الإدارات على أساس الكفاءة والخبرة ، لا على أساس المحسوبيات أو العصبيات .

(أخرج الحاكم . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من ولي على عصابة رجلا وهو يجد من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين).

هناك من لايدرك أهمية وخطورة عمل الجمعيات والمراكز الإسلامية , لايدرك أننا سفراء لحضارة نريد لها الإنتشار واثبات

الذات بعد أفول , وهذا لايتحقق بالفوضى والعشوائية والإرتجال , بل يتحقق : بالعمل المؤسسي والخبرة والقوة العلمية.

ولا نغفل الجانب الإيماني والروحي فنحن لسنا ماديين بل حملة دعوة ربانية ولا بد أن يتعانق الجانب الإيماني والروحي مع الجانب الإداري والمؤسسي .

وأي مؤسسة لاتسودها روح إيمانية فهي جسد بلا روح ولا ينتظر منها عطاء , بل لابد ان تنخرها القسوة والغفلة والمادة وسرعان ماتنهار .

وهناك قضية مهمة لها علاقة بالعاملين لابد من توضيحها والحديث عنها وهي قضية التفرغ في العمل الدعوي .

مما لانقاش حوله أن أي مؤسسة تحتاج لشخص أو أكثر وحسب حجمها للتفرغ بحيث يتقاضى راتبا مقابل العمل الذي يقوم به , ويجب أن يكون هذا الراتب بالقدر الذي يجعله يعيش عيشة كريمة .

لكن المخيف أن يتحول التفرغ لمطلب كل العاملين وبذلك تنقلب المؤسسة لدائرة رسمية يموت فيها روح التطوع .

نعم يتحول العمل من عمل طوعي دون مقابل مادي، إلى عمل يتقاضى القائم به راتبًا، وبالطبع تكون هناك امتيازات مادية وإدارية لبعض الأفراد دون بعض، مما يتسبب في وقوع المشاحنات وتغير القلوب.

ومما يثير المشاكل أن تجد من يدعوك دائما للتضحية ثم تكتشف أنه يتلقى أجر مادي لقاء عمله , فأين هو من التضحية ؟!

ومما يحقق النجاح في العمل الدعوي وبما يتعلق بحسن الإدارة : الإتقان والإحسان .

عندما يتم التطرق لحديث جبريل وتعريفه الإحسان فيتم حصر الإحسان في جوانب محددة , ومعلوم أن الإحسان والإتقان مطلوبان شرعاً لأن الله كتب الإحسان على كل شيء ، ولا يتحققان إلا إذا وضع الإنسان في مكان يستحقه بما يحمل من خبرات وكفاءات .

ولنأخذ مثلا واضحا من سيرة خير الخلق صلى الله عليه وسلم .

(جاء في صحيح مسلم .فلقد جاء أبا ذر الغفاري طالبا الإمارة , فقال له صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر إنك ضعيف ،وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأعطى الذي عليه فيها ).

-4-

فلقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام أن أبا ذر الغفاري لم تكن مواهبه الإدارية مؤهلة له لمرتبة الإمارة وسياسة الناس ،

واعتبره ضعيفاً في هذا المجال ، فصرفه عن طلبه هذا مع محبته له، وتزكيته له بأنه أصدق الناس لهجة ،وكان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم مجاملة أبا ذر وتوليته على أمر من أمور المسلمين ولن يجد من يعترض على ذلك , لكن حاشا لرسول الله معلم الناس المبادئ أن يحيد عنها .

بينما يعتصرك الألم عندما ترى واقع بعض المراكز والجمعيات من المجاملات على حساب الدعوة .

فيتم توزيع المهام والوظائف من دون خوف أو خشية لله تعالى , بل فقط لإرضاء هذا وذاك , وإرضاء هذه الجالية وتلك , وبغض النظر عن الكفاءة والخبرة .

فالنظر لحالهم وواقعهم, يجعلك تشفق عليهم ...

بالإمكان مجاملة هؤلاء والتصفيق لهم ومدحهم , لكن ذلك مخالف لتعاليم الإسلام وخيانة للنصيحة , بل لابد من المصارحة والمكاشفة لأن سوء الإدارة وهذه الفوضى وعدم توفر ما ذكرته يعني أن هذه الجمعية أو هذا المركز اصبح عبء على الدعوة ومعوقا لها لأنهما يعطيان صورة سيئة عن الإسلام والقائمين على تلك المراكز هم السبب , والأولى بهم أن يستقيلوا ويحترموا عقول الناس فيكفينا تشويها للإسلام والمسلمين على يد غلمان سفهاء فلماذا نزيد عدد المسيئين .

هذا عدا عن أن هناك من وظف في ذلك المكان بقصد تعويق العمل للإسلام ويتلقى الدعم من بعض الجهات كي يبقى العمل الدعوي سطحيا غير منتج .

من حق كل مسلم أن يسأل ذلك الشخص الذي يتربع على مسؤولية الإدارة في هذه الجمعية أو ذاك المركز منذ أكثر من خمسة عشر سنة :

ماذا قدمت للإسلام والمسلمين ؟

ماهي البرامج التي نفذتها خلال الخمسة عشر سنة ؟

ما هي الأسس والقواعد الإدارية والمؤسسية التي أرسيتها ؟

ماهي الأهداف التي وضعتها ؟ وماذا حققت منها ؟

أين هي الوعود التي قطعت من أنه سيبدأ عهد جديد ؟

وكي يدافع عن نفسه فوسف يسرق جهود الآخرين وإنجازاتهم ويدعيها لنفسه , فلقد تعودنا على تلك النوعيات أنها تنسب لنفسها كل الإنجازات وتحمل الآخرين الفشل .

المدراء المتفردين والمستبدين والذين يتمسكون بمنصب رئيس الإدارة لفترة طويلة , يستخدمون أسلوب الطعن في الناس , فيجلس معك فتراه ينسف الآخرين حتى ممن يعمل معه في نفس الإدارة واللجان ويتهمهم بتهم ما أنزل الله بها من سلطان .

ويستخدم بعض الرموز ويجعلهم شماعة يعلق عليهم كل قراراته الفردية , وعندما تناقشه ببعض القرارات فيقول لك أنا مع وجهة نظرك لكن الشيوخ هكذا يريدون !!! فانظروا لنوع الفتنة التي يبذر بذورها , لكن السؤال المهم والمحير أن بعض
الشيوخ يعلمون ذلك ويصمتون فلماذا ؟ بل منهم من يعلم أن هناك من يضعه في الواجهة ويدفع به باتجاه المحرقة وتراه صامتا قابلا بما يحصل !!!

فنقول للجميع : الناس وضعت في أعناقكم أمانة فإما أن تؤدوها على أكمل وجه , أو سيعتبرونكم ممن ضيع الأمانة وخان حقوق الناس ولقد فقد الناس الثقة بكم ,ولسان حال الناس يقول لكم : إما اعتدلتم وإما اعتزلتم .

وأقل ما نقوله لكم : سنقف جميعا بين يدي رب العالمين يوم لاينفع مال ولا بنون , وهناك ستعرض الحقائق غير مزيفة وستحاسبون على هذا التفريط في الأمانة .

الى ديان يوم الدين نمضي ----- وعند الله تجتمع الخصوم

ستعلم في الحساب اذا التقينا ----- غدا عند الاله من الملوم .

( قال صلى الله عليه وسلم : صنفان من أمتي اذا صلحا صلحت أمتي , واذا فسدا فسدت أمتي , قيل يارسول الله ومن هما ؟ قال : الفقهاء والأمراء ).

يا أيها العلماء ياملح البلد ----- مايصلح الملح اذا الملح فسد .

وهناك مثل شامي يقول : بماذا اتذكرك ياسفرجل فكل قضة بغصة ...

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو

28/1/2011





الخميس، يناير 20، 2011

النجاح والفشل في العمل الإداري


ما من إنسان إلا ويمارس الإدارة بطريقة ما , حتى البيت إن خلا من الإدارة فينقلب وضعه لفوضى وتعاسة , ويعيش من فيه بلا هدف .

إن العمل الإداري الناجح يشكل هاجس لكل من يريد لعمله ان ينطلق على أرضية صلبة .

ويكون صعبا ومستحيلا لدى الفوضويين والمستبدين والديكتاتوريين وأصحاب الإدارة الفردية .

عندما يتم التطرق لهذا المسؤول أو ذاك , أو لهذه الإدارة أو تلك , فمدير نقول عنه أنه ناجح , ونقول عن غيره أنه فاشل , وكذلك نقول هذه إدارة ناجحة وتلك إدارة فاشلة , فتقييمنا حتى يكون منطقيا لابد أن يستند لحقائق وعلم وليس لعاطفة أو هوى النفس أو لمصلحة شخصية , وهذا يقودنا للحديث عن مظاهر النجاح والفشل .

تقول هذه إدارة فاشلة وبالتالي هي لاتستحق الثقة , فكيف توصلنا لتلك النتيجة ؟

بدون تعقيد وبدون تنظير وبكل بساطة :

1-عندما تكون نتائج العمل مخالفة للأهداف , فهذا يعني الفشل .

2-عندما يقف المسؤول الأول في المؤسسة ويتعهد أمام الناس أن عهدا جديدا من الشفافية والنظام والإنضباط ووضع الأنظمة واللوائح سيبدأ , ثم بعد سنوات من العمل لايتحقق أي شئ مما تعهد به , فمعنى ذلك أن تلك الإدارة فاشلة ولا تستحق الثقة , ويعتبر هذا التعهد بمثابة خديعة للناس .

3- عندما يستبد رئيس المؤسسة ويتفرد بالقرارات ويفاجئ أعضاء إدارته ببعض الأمور التي لاعلم لهم بها , فهذا الرئيس فاشل والإدارة التي تقبل بهكذا وضع فهي إدارة فاشلة ولا تستحق الثقة .

4- عندما يتخذ قرار ما ثم يبدأ التهرب منه وكل شخص يقول ليس لي علاقة إنما فلان من قرر , فهذه إدارة فاشلة ولا تستحق الثقة .

5- عندما يرمي الرئيس بالأمور في ساحة غيره , ومثال ذلك : تجد رئيس مركز أو جمعية يبلغك قرار ما وعندما تسأله هل هذا رأي أم قرار إدارة فيقول لك هذا قرار المشايخ اعتقادا منه بإسكاتك عندما يقول لك المشايخ , وعندما يسكت المشايخ على هذا التوريط فهذا يعني أنهم جزء بل حماة للفشل .

6-عندما تنعدم البرامج والخطط والصلاحيات والرؤية فتلك إدارة فاشلة ولا تستحق الثقة .

7- عندما يكون المدير غير قادر أو يتقصد عدم تحديد الأهداف وترك الأمور للفوضى والإرتجال فهذا مدير فاشل , وكل من يسكت عليه فهو فاشل مثله ولا يستحق الثقة .

8- عندما يقف المدير عقبة أمام وضع نظام وصلاحيات ولوائح ويسكت عن ذلك من معه فهذا يعني أنهم فاشلون جميعا ولا يستحقون الثقة , وسكوتهم وتبريرهم خديعة للناس وخيانة للأمانة التي تحملوها .
إن رسم الهدف بشكل واضح وصريح ليس فقط يوفر النجاح للمؤسسات بل يعود على نفوس الإداريين بالحماس المتدفق والروح
الوثّابة التي لا تعرف الملل ولا الفتور لأنّهم دائماً يعرفون ما ذا يريدون ويقومون بما يعتقدون به.

وبهذا نغلق الباب بوجه الفوضى والإرتجال ..

ومن الغريب والمستهجن حقاً أن نجد بعض المدراء يستصعبون طرح الأسئلة على أنفسهم أو على مشاركيهم لتحديد الأهداف وتشخيص الرؤية بل والأغرب من هذا نجد أنّ بعض المدراء يعد مشاورة الآخرين في الخطط والبرامج نوعاً من العجز أو الضعف والبعض الآخر يعدّه نوعاً من الغباء لذلك يتردّدون في الاستفهام عن المطلوب ويكتفون بما عندهم من أفكار وآراء وقرارات ويستغنون عن الآخرين وهذا أمر من شأنه إرجاع المؤسسة إلى الوراء وإظهار الإدارة بوجه فاشل إلا إذا كان المدير يصّر على أنه معصوم؟

وهذا السلوك هو نوع من أنواع الإستبداد والديكتاتورية .

كما أنه من السهل علينا معرفة أن العمل يخضع للنظام أم للفوضى ..

1-إذا وجدت أن معظم القرارات والمواقف والتصرفات إرتجالية فهذه علامة الفوضى .

2- عندما يتم العمل من غير تخطيط ولا رؤية ولا برامج فتلك مؤسسة فوضوية .

3- عندما يستحوذ المدير على كثير من الأمور والمعلومات وكلما طلب منه العاملون المعلومات فيسوف ويؤجل ويماطل فهذا مؤشر على الفوضى .

4- عندما يكون العمل إرتجالي ويوم بيوم ويفكر باللحظة الراهنة ولا ينظر للمستقبل فهذا مؤشر أن المدير فاشل ومن معه فاشلين ومن يسكت عن ذلك فاشلين وفوضويين .

والنتيجة أنّ ما يبذل من جهود وأعمال ونفقات تؤدي إلى ضياع الوقت في الأمور البسيطة وعدم توفره لمعالجة المهمات.. وهذه وحدها تكفي لجعل المؤسسة تراوح في موضعها على أحسن الفروض.. كما تجعل العاملين يعيشون حالة اليأس والجمود والرتابة.. فهل يتوقع لها النجاح بعد ذلك؟

ومن القضايا المهمة التي كثيرا ما تكون محل نقاش ورفض وخاصة من قبل الفاشلين الذين يرفضون الإعتراف بفشلهم رغم أن بعض من يعمل معهم وبعض من حولهم يؤكدون لهم أنهم فاشلين ومع ذلك يصرون على أنه ناجحين , وحالهم كمن يقفز قفزات كبيرة في نومه.

وهناك قضية مهمة تحتاج لتوضيحها حيث لها علاقة بالعمل الإداري بل تعتبر العصب الذي لايكون عمل بدونها وهي القضية المالية .

لايوجد عمل بلا مال , وعندما لاتتوفر جهة معينة تقدم الدعم المالي فلا بد من البحث عن مصادر لتمويل العمل والأنشطة , وهذا عمل لاغبار حوله ولا مشكلة معه , بل مطلوب من العاملين وغيرهم العمل على تأمين المال لضمان استمرار العمل والأنشطة .
ومن الوسائل المشروعة لتأمين المال جمع التبرعات من الناس وحثهم على ذلك وخاصة عندما يكون العمل خدمة للإسلام والمسلمين فيصبح التبرع واجبا ويؤجر الإنسان عليه ويعتبر صدقة جارية له .

فكل ذلك لامشكلة فيه , لكن المشكلة عندما يتم جمع المال ويتم الإعلان عن كمية التبرعات والمبالغ التي جمعت , ثم فجأة يأتي من يطلب التبرع ويعتب على الناس أنهم لايتبرعون كما يجب ( وهنا نجد من الواجب حث الناس على التبرع ولسنا ضد ذلك ) لكن من حقنا وحق كل متبرع أن يسأل عن التالي :

1-هل يوجد نظام مالي يضبط الإيرادات والمصروفات , ويخضع للمراقبة والمتابعة , ومن هي الجهة التي تقوم بهذا الدور ؟

2-هل يوجد نظام مالي يحدد الصلاحيات بما فيها صلاحيات الصرف وسقوفها ؟

3- من هم الأشخاص المخولين بالصرف وما هي حدود الصرف لكل منهم ؟

4- هل يتم الصرف وفق الأولويات أم عبر الفوضى والإرتجال ؟

5- هل كافة أعضاء الإدارة على إطلاع كامل عن الوضع المالي للمؤسسة ؟

6- هل يتم التعامل مع الوضع المالي بشفافية مطلقة ؟

إن عدم توفر ما ذكرناه يعني عدم ثقة الناس بتلك الإدارة , وعدم الثقة تؤدي لعدم التبرع والعزوف عن دعم تلك المؤسسة , وهذا الأمر يتناوله الناس فيما بينهم كلما تمت الدعوة للتبرع , فهل تعي تلك الإدارة سبب عزوف الناس وعدم ثقتها بهم ؟!

ما ذكر سابقا يعتبر علامات ومؤشرات للفشل والفوضى والإرتجال , لكن هذا لايكفي بل لابد من وضع قواعد وأسس للنجاح ومنها :

1-وضع خطة , وأهداف , وبرامج .

2-وضع نظام ولوائح وصلاحيات وهيكلية .

3- تسمية جهة لمراقبة والمتابعة والتقييم .

4- إعتماد الشورى ومشاركة الآخرين في وضع الخطط والأهداف والبرامج والقرارات ,فليس من العيب ولا النقص أن نشارك الغير في رسم مناهجنا ما دام الهدف هو عمل لله .

5- التغيير في المسؤوليات , فكم من مدير يبقى رئيسا للإدارة أكثر من خمسة عشر عاما , وكل المؤشرات تقول أنه مدير فاشل , بل حتى العاملين معه يقولون أنه فاشل ومع ذلك يصر على البقاء رغم رفض الناس له !

6- عدم الإنشغال بالجزئيات والهوامش , وعلينا ترتيب أولوياتنا , لنتمكن من تحقيق الأهداف بجهد أقل ووقت أسرع ونتيجة أفضل .

علينا أن نمتلك الجرأة والشجاعة والقدرة على مواجهة أنفسنا ولانكون كالنعامة التي تدفن رأسها , فنوجه أسئلة واضحة وصريحة:

1-هل نحن منظمين؟
2- هل يسير عملنا الإداري وفق خطة مرسومة؟

ليس من العيب أن نتعرض إلى الفشل, فنحن بشر نخطئ ونصيب , لكن من العيب والخطأ الفاحش أن نصر على الفشل رغم وضوحه وما دمنا نقبل الحقيقة بتواضع ونسعى لقبولها بحكمة وتدبير فإننا لا زلنا في طريق النجاح ومتى ما أخذتنا العزة ولم نزعن للحقيقة نعرف أننا في فشل ونهايتنا إلى الفشل أيضاً.

طريق النجاح يبدأ من التفكيرالسليم والتشاور والاستشارة والتخطيط المدروس حتى نصل إلى الأهداف بأقل جهد وبأسرع وقت وبأفضل ثمر وهناك خطوات ينبغي أن نسلكها في هذا الاتجاه وهي كالتالي :

1- التخطيط : ويقصد به وضع الأهداف وقراءة نتائجها ووضع الحلول للمشاكل التي قد تنجم عنها مضافاً إلى تعيين اسلم الطرق للوصول إليها.

2- التنظيم: ويقصد به تحديد الأهداف البعيدة والأخرى القريبة وفرز الأولويات وتوزيع الأدوار والأوقات على الأفراد المناسبين أو اللجان لإنجازها.

3- المتابعة: وتكون في خطين متوازيين يسيران جنبا إلى جنب :

الأول: التوجيه والسعي المستمر لإيجاد التنسيق والتعاون بين أطراف العمل.

الثاني: السيطرة والمراقبة على الأعمال للتأكد من سير الأعمال وفق الخطّة الموضوعة وتصفية الموانع التي يمكن أن تعرقل مسيرة العمل.

4- التقييم : تبقى الإدارة بحاجة إلى وقفات بين آونة وأخرى لملاحظة سير العمل في الاتّجاه العام وموازنة الخطط والطموحات مع مستوى الأداء.. لتكون مرحلة تقويم وموازنة .

بغير ذلك ومن دون تلك الأسس والقواعد فهي إدارة فاشلة ولا تستحق الثقة مهما جمعت حولها من المشايخ والدعاة , وهؤلاء سرعان ما سيكتشون أنهم وضعوا لتبرير فشل الإدارة , وأنهم رأس الحربة , وسيحترقون هم ويبقى غيرهم بعيدا عن المحرقة .

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو

20/1/2011





الأربعاء، ديسمبر 15، 2010

حتى متى يعبث في الجهاد؟!


حتى متى يعبث في الجهاد ؟!

كلما وقع تفجير هنا أو هناك فمباشرة ترتسم علامات الخوف والقلق على وجوه المسلمين خشية أن يكون الفاعل مسلما !!!

ففي يوم السبت 11/12/2010 حاول أحد الأشخا ص القيام بعمل إجرامي يستهدف مدنيين أبرياء وسط العاصمة السويدية أستوكهولم , ففشل في ذلك ولم تنفجر سوى قنبلة واحدة من القنابل الستة التي كانت بحوزته , مما أدى لمقتل الشخص نفسه فقط وجرح اثنين من الناس .

سهل علينا نسبة هذا العمل الإجرامي لجهة مجهولة هدفها تشويه صورة الإسلام والمسلمين , وهذا متوقع ووارد وأحد الإحتمالات, لكن أحد المواقع الجهادية على شبكة الأنترنت (شموخ الإسلام ) وضعت صورة المنفذ ووصفته بالمجاهد !!!. كما أن المعلومات تؤكد أن الفاعل مسلم وأنه قام بهذا العمل ردا على ما يتعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم من السخرية والإستهزاء من قبل بعض الإعلاميين ووسائل الإعلام في السويد وأيضا بسبب مشاركة السويد في القوات المتواجدة في أفغانستان .

وبغض النظر عن دين ومعتقد الفاعل , فهذه الجريمة مرفوضة ومدانة مهما كانت الأسباب والمبررات .

بداية أقول إن الإدانة والرفض لمثل تلك الجرائم من قبل المسلمين أشخاصا ومؤسسات في السويد وخارجها ليس مجاملة ولا خوفا ولا تملقا إنما هو موقف يفرضه الإسلام على كل مسلم , فالإسلام يقف ضد كل أشكال العنف والإرهاب سواء كان المنفذ شخصا أو دولة أو تنظيما , وسواء كان المنفذ مسلما أو غير مسلم .

ألا يكفي هؤلاء الفاسدين والقتلة أنهم يوقعون المسلمين في جو من الرعب والقلق والخوف ,فلقد طفحَ الكيل، وبَلغَ السيلُ الزُّبى، وفي مِثْل هذه الأحداثِ عظيمةِ الفساد لا تسوغ التخطئةُ الخافتة، أمَّا التبرير واختلاق الأعذار لهؤلاء المفسدين، فهو من المشاركة في الإثْم والعدوان، ولذا فلا بدَّ من الحديث الصريح والإدانة الواضحة , ولا يوجد في إسلامنا ما يجعلنا نشعر بالخجل والحرج فهو دين رباني جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم , ولا يتحمل هذا الدين عبث العابثين وخطأ المخطئين .

بصوت مسموع نقول : ماهي المصلحة للإسلام والمسلمين من وراء تنفيذ تلك الجرائم ؟

هل هذه التفجيرات العمياء والهوجاء تنشر الإسلام وتقدمه للناس كما جاء به خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ؟!.

هذه الأعمال تخرب أكثر مما تصلح , وتشوه صورة الإسلام والمسلمين , وتعرقل مصالح المسلمين , وتقف عقبة أمام عرض هذا الدين السمح الرحيم الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .

وإذا كان الفاعل يدعي أنه يقوم بواجب ديني , فنقول له : لقد خرجت عن الفهم الصحيح للإسلام , ولقد حملت نصوص السنة والقرآن مالا تحتمل .

أعمال هوجاء تنفذ باسم الإسلام وباسم الجهاد !!!

يتعرض الجهاد في وقتنا الحالي للعبث بواسطة رؤوس جهال , وينسبون أعمالهم للإسلام والجهاد زورا وبهتانا , في حين يجمع أهلُ الإسلام على حُرمتِها، وشدَّة انحرافها.
ومن الأسباب الرئيسية التي تدفع بهؤلاء : ضعف التربية الإيمانية , وقلة معرفتهم بالفقه والأحكام الشرعية , والتعصب الأعمى, والمواقف المعادية للإسلام والمسلمين وما يحصل في البلاد الإسلامية التي تقع تحت الإحتلال .

إن أفعالهم أبعدُ ما تكون عن مقاصدِ الجهاد وغاياته, نتيجةَ امتلائها بالمفاسد الضخمة، وصُورِ التعدِّي الفجَّة على حُرمات الله وشعائره، مِن تكفيرٍ وتخوين، واستحلالٍ للدَّمِ الحرام والمالِ المعصوم، وترويع للآمنين، بما لا يُقرُّه شَرْع، ولا يرضاه عَقْل، ولا يتوافق مع تعاليم الإسلام.

وأيًّا كانتِ البواعث والنوايا للفاعلين فلا رَيبَ أنَّ ما يقومون به من تفجيرات وقتل هي من الجرائمِ المحضة المحرَّمة لذاتها، فضلاً عن أن تكون محرَّمة لِمَا يترتب عليها من مفاسدَ عظمى تُشوِّه الإسلام، وتَفُتُّ في عضد أهله، وتَحُولُ بين دعاة الإسلام - مؤسَّساتٍ وأفرادًا - وبين الاستمرار في أداء رسالتهم التي حمَّلهم الله تعالى القيامَ بها.

ومما أكد عليه الإسلام أن أي عمل حتى يكون مقبولا لابد أن تتوفر فيه شرطان :

1-النية الصادقة والمخلصة .

2-أن يكون سليما صحيحا , أي موافقا للقرآن الكريم والسنة النبوية .

هل جلس هؤلاء جلسة مراجعة وسألوا أنفسهم : هل مطلوب مني أن أموت بهذه الطريقة دونما هدف ولا غاية ؟

هل عملي هذا بتفجير نفسي في مكان يتجمع فيه الناس , حيث كل منهم يتجه لحاجته , فواحد يذهب لعمله طالبا للرزق , وآخر طالب جامعي , وثالثة عجوز قتلتها الوحشة فخرجت تروح عن نفسها , فيأتي هذا الشخص لينهي حياة هؤلاء جميعا بضغطة على زر !!! .

هذا الشاب ماذا أراد أن يقول هو ومن أرسله ؟

هل يظنون أنهم يملكون حقِّ سلبِ حياةِ هؤلاء بدعوى أنهم مجاهدون ،يدافعون عن الإسلام ؟

الجواب بكل بساطة ... إنه الجهل .

وبسبب الجهل سُفِـكت الدماء ، واتسع الخرق على الراتق ، واختلط الحابل بالنابل ، ولم نعد نعرف من أين تخرج الرصاصة ، أو من الذي سحب مسمار التـفجير ، هل هو الشاب الملتف بالحزام الناسف أم آخر يجلس بعيداً بعيداً ...

يظن هؤلاء أنهم يريدون عودة الإسلام والخلافة , ومن يرفض ذلك , لكن هل العودة تكون بحزام ناسف ورصاصة طائشة وقتل أعمى .

أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا , فلقد تعرض وأصحابه لكل صور العذاب والسخرية والإستهزاء , لكنه صلى الله عليه وسلم تعامل مع هذا الواقع بالحكمة والشجاعة وضبط النفس وبكل ما تقتضيه مراحل الدعوة الإسلامية.

ألم يمتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلَ المنافقين وهم معروفين عنده , لكنها الحكمة , ولا يقولن متقول أنه حكم انتهى زمانه , بل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم تشريع باق يعمل به حسب الظروف .

وحتى لايتاجر أحد بالجهاد الذي له مكانته وشرفه في الإسلام ، وأنَّه ذِروةُ سَنام الإسلام، وبابٌ من أبواب الجنة، لكنَّ النصوصَ من القرآن والسنة الآمرة بالجهاد والمبُيِّنةَ لفضائله إنَّما تصدُق على الجهاد الشرعي.
أمَّا عمليات الإفساد في الأرْض وسائر الأعمال العبثيَّة باسم الجهاد، فهي مِن أبعد ما تكون عن ذلك, ولذا كانت ثِمارُ أعمالهم نَكِدَة، بين ظُلم، وتكفير، وجرأة على الدَّمِ الحرام والمال المعصوم ، وبثٍّ للفُرقة، وزراعة للحقد والضغينة، وتهديد للأمن، وتشويه لقِيَم الإسلام وثوابته، ومُفارقةٍ لأصول أهل السُّنة، وتصدير لسُّفهاء الأحلام، واجتهاد في إيذاء المؤمنين، وقتْل المسلمين والمستأمنين،… وهلمَّ جرًّا من العبث بأرواح الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

وكما قلت سابقا الجهاد عبادة من العبادات ولا بدَّ فيها من شيئين: أن يُراد بها وجهُ الله، وأن تكونَ موافِقةً للشريعة، وما لم يتوفَّر فيه ذلك فهو خارجٌ عن المسمَّى الشرعي للجهاد، ولا يجوز لأحدٍ أن يُجاهِدَ على خلاف ذلك، والنصوص جلية في ذلك .

(ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم .قال صلَّى الله عليه وسلَّم : إنَّ أوَّل الناس يُقضَى يومَ القيامة عليه رجلٌ استُشهِد فأُتِي به فعرَّفه نِعمَه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأنْ يُقالَ: جَرِيء، فقد قِيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهِه حتى ألْقِي في النار).

(وروى الإمام أحمد بن حنبل وقال الأرناؤوط ورجاله ثقات رجال الشيخين . عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع - رضي الله عنه - قال: أتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغزوتُ معه فأصبتُ ظهرًا، فقُتِل الناس يومئذ، حتى قَتَلوا الولدان، وقال مرَّة: الذريَّة، فبَلَغ ذلك رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ما بالُ أقوام جاوزهم القتلُ اليوم حتى قتلوا الذريَّة؟! فقال رجلٌ: يا رسول الله، إنَّما هم أولادُ المشركين، فقال: ألاَ إنَّ خياركم أبناءُ المشركين، ثم قال: ألاَ لا تقتلوا ذريَّة، ألاَ لاَ تقتلوا ذريَّة، قال: كلُّ نَسَمة تُولَد على الفِطرة، حتى يعربَ عنها لسانُها، فأبواها يهودانها وينصرانها) .

وأجمع أهل العلم أنَّ مَن لم يكن من أهل القِتال، كالنِّساء والصبيان، والشيوخ الفانين، والعُميان والزُّمَناء والمجانين، والرهبان وأرباب الصوامع، أنَّ هؤلاء جميعًا لا يُقتلون في الجهاد, لأنَّ القتال هو لِمَن يقاتلنا إذا أردْنا إظهارَ دين الله، فمَن لم يقاتلنا مِن هؤلاء لم يَجُز قتالُه, وذلك أنَّ الله - تعالى - إنَّما أباح مِن قَتْل النفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخلق.

كما قال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) البقرة- 217.

أي: إنَّ القتْل وإن كان فيه شرٌّ وفساد، ففي فتنة الكفَّار من الشرِّ والفساد ما هو أكبرُ منه، فمَن لم يمنعْ المسلمين من إقامة دِين الله لم تكن مَضرَّةُ كفرِه إلاَّ على نفسه.

إنَّ الجهاد الشرعي: ما استجمع الشروط وانتفتْ عنه الموانع، إذْ كلُّ حكم علق باسم شرعي، إنَّما يثبت لِمَن اتصف بالصِّفات الموجبة لذلك لا غير، وهؤلاء الذين يفسدون في الأرض وإن انتسبوا إلى الجهاد - مع أنَّ عامة عملهم بغيٌ وتعدٍّ - ليسوا منه في شيء، وإن تسمَّوْا به وتسمَّوْا.

(يقول الشيخ فيصل بن علي البعداني في بحث له بعنوان : الجهاد الزائف : أنَّ من الشَّرْع المُحْكَم، ومن أعظم القُرُب، ومن الواجب المتفق عليه بين المسلمين: تبيينَ صور الجهاد الزائفة، والإنكار على هذا الصِّنف في باطلهم بلا ظلم، وإن سُمِّي جهادًا، وانتسب القائمون به في الظاهر إلى أهل الخير والدَّعوة، حتى لا يحصلَ التلبيس على المسلمين، ويتمادَى هؤلاء الضُّلاَّل في فسادهم؛" يقول ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل 5/110: أئمة البِدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسُّنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسُّنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمَّة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قيل للإمام أحمد: الرجلُ يصوم ويُصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلَّم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع، فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل، فبيَّن أنَّ نَفْع هذا عامٌّ للمسلمين في دِينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودِينه ومِنهاجه وشِرْعته، ودفْع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا مَن يقيمه الله لدفْع ضرر هؤلاء لفَسَد الدِّين،
وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب، فإنَّ فساد هؤلاء إذا استولوا لم يُفسدوا القلوب، وما فيها من الدِّين إلاَّ تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء" .

وقال أيضا في مجموع الفتاوى 28/231 : ولهذا وجَبَ بيانُ حال من يغلط في الحديث والرواية، أو من يغلط في الرأي والفُتيا، ومَن يغلط في الزُّهْد والعبادة ، وضررُ هؤلاء الغالطين في أبواب الجهاد موازٍ لضرر أولئك إن لم يكن أشدَّ، فكيف لا يُصدع بالإنكار عليهم؟" ).

(وأنقل كلاما نفيسا لفضيلة الشيخ سلمان العودة حول نفس الموضوع بتصرف فيقول : كنت وما زلت أدعو علماءنا ودعاتنا المخلصين إلى تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية, ونزع الاسم الربّاني المقدّس "الجهاد" عن أعمال التنظيمات القتالية, التي تقتل الأبرياء, وتزعزع الأمن في بلاد الإسلام وغيرهم ، أو في بلاد أخرى بيننا وبينها عهد وميثاق؛ تجب رعايته واحترامه بنص الكتاب العزيز: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ "المائدة: من الآية1 ، وقوله تعالى : "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا" النحل: من الآية91 .

وليس أحد من أفراد الناس مفوّضاً بنقض الاتفاق ، ولا بإعلان الحرب ، مهما كانت الأوضاع والظروف والأحوال .

وأنا اليوم أؤكد على أهمية التواصي بالوضوح في إدانة جرائم الفساد في الأرض, التي تمارس باسم الإسلام, أو باسم الجهاد ، وكشف الغطاء عنها بأسمائها ، سواء تسمّت باسم القاعدة ، أو تنظيمات الجهاد ، أو الجماعات القتالية أو المقاتلة ، أو الدولة الإسلامية ، ولا تكفي الغمغمة أو التعميم أو الإجمال ، وأستثني من ذلك مقاومة المحتل والدفاع عن الوطن كما في الحالة الفلسطينية التي هي محل إطباق وإجماع .

ومن هنا أوصي نفسي وإخواني من الخطباء والمتحدثين والكتّاب؛ أن نستخدم أوضح الأساليب وأبينها في إنكار هذا المنكر العظيم, الذي فيه سفك الدماء, وتدمير المجتمع, وتشويه الإسلام, وتعويق التنمية, والفساد في الأرض, والعدوان على الأرواح, والعبث بالضروريات الشرعية والإنسانية.

فلا نخلط بذلك حديثاً عن منكرات أخرى, ونربط بعضها ببعض مما يوهم بعض الجاهلين أننا نصنع مسوغاً أو نلتمس مبرراً ، لا نعرّض بالتكفير أو التفجير حين نعالج منكراً اجتماعياً أو سياسياً أو إعلامياً فنقول : هذا سبب التكفير أو سبب التفجير ، امنعوا المنكرات حتى لا تعطوا سبباً لتطرف الشباب...

هذه لغة غير جيدة, قد توحي لبعض هؤلاء بأنهم معذورون إذاً إذا رأَوا ما لا يعجبهم أن يسلكوا أسلوب العنف.

ليس مهماً أن يدينني هذا أو ذاك بأنني أعمل لصالح جهة أو أخرى, أو أنني "حكومي" لأنني قلت ما لا يحب أن يسمعه ، إنني أقولها صريحة يشهد عليها الله ، أن هذا الاستنكار هو إحساس إيماني وقناعة عقلية محكمة ، لم نمالئ فيها أحداً ولا جهة ولا طرفاً ، ولسنا مع الحكومات ولا ضدها ، ولكننا ضد الانحراف والتخريب والإفساد كله ، وضد ما يمارس باسم الدين منه خاصة, كائنة ما كانت التبعة التي تترتب على هذا الإعلان وهذا الاستنكار والإدانة والتجريم.

إنني أقولها صريحة مدوّية : إن الله لا يصلح عمل المفسدين ، ولا يهدي كيد الخائنين ، والذين يقتلون المسلمين ويرهم باسم الإسلام, أو باسم تطبيق الشريعة؛ لن يفلحوا ولن يصلحوا, وسينالهم عقاب الله تعالى ، وسيكونون مثلاً لغيرهم, إلا أن يتوبوا قبل ذلك
وإنني أدعو الذين لا يزالون يعذرون ويحجمون في خطابهم؛ أن يحسبوا حساب وقوفهم بين يدي الله ، وأن لا يحملهم جور سلطانهم ، أو تعويق مشروعهم أو القطيعة التي تمارسها الحكومات معهم على أن لا يعدلوا ، فبالعدل قامت السماوات والأرض ، ومن الرحمة بهؤلاء الشباب الأغرار ومن سيلتحق بهم غداً وبعد غدٍ؛ أن نقول لهم : هذا طريق لا يوصل إلى مقصد, ولا يعصم من شر,
ولا يُقرّب من جنة, ولا يباعد من نار ، ومن أراد النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة ورضوان الله والجنة؛ فليمسك بعصم الإسلام العظام, وأركانه ومحكماته ، وليتوقّ الفتن ، ولا يريقين محجمة دم حرام ولا مشتبهٍ , ولا يفتح لنفسه باب التأويل في المنكرات الصريحة, وأنت بجرأتك على الكبائر الموبقة ترتكب حوباً وجرماً أعظم عند الله وفي كتاب الله مما تزعم أنك تنكره ، وهذا أعظم ما فعله الخوارج, وقوتلوا لأجله ؛ فلم يكن قتالهم لمجرد التكفير ولا الاعتزال ، حتى قاتلوا واستحلّوا الدم, وأخافوا السبيل, وهتكوا حرمات الإسلام ؛ فكانوا شر فرق الإسلام بلا منازع ، وصح الحديث عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من خمسة أوجه ، كما قال الإمام أحمد ، وكفّرهم بعض أهل العلم ، وإن كان الراجح أنهم لا يُكفّرون.

ليكن هذا حديث الأب مع أسرته ، والأم مع أطفالها ، والمدرس مع طلابه ، والخطيب مع جماعته ، والداعية مع مريديه ، وليكن إعلان النكير هنا غير مربوط بحملة رسمية, ولا نفير إعلامي, ولا تكليف وظيفي؛ بل إحساس بمهمة ربانية, وأمانة تربوية, ومعالجة دعوية ؛ ليكن مدخلاً مناسباً للدعوة إلى التصالح مع النفس ومع المجتمع ومع المخالفين الذين يمكن مدّ الجسور معهم, والتوصل إلى نقاط مشتركة في حفظ الديانة وإقامة الدنيا ، ولنرتق بتفكيرنا من الانتصار للنفس, أو الدفاع عنها, أو الثأر من الخصوم؛ إلى النظر في المصالح العامة والمستقبل, وما تحتاجه الأمة بعوامّها وخواصها وحكامها ومحكوميها وأثريائها وفقرائها وصالحيها وفجّارها؛ فكل هؤلاء من الأمة , ولهم حق الولاية بقدر إيمانهم ، والحديث عن موضوع خطير كهذا لا يجوز أن يُشغب عليه بالحديث عن موضوع آخر, قد يكون مثله, أو دونه وله ميدان ومحل آخر ، أو رجال مهتمون مختصون.

إن بعض فاسدي العقول أصبحوا يتحدثون عن الاغتيال والقتل والتفجير وكأنه سنة نبوية ، وهذا انحراف في الفهم وطيش في الأحلام ، فهل أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل سادة قريش بمكة أم بقتل المنافقين في المدينة أم بقتل زعماء اليهود أثناء المصالحة ، وهل أعطي أحداً أن يكون القانون بيده يحكم بكفر أشخاص ثم ينفّذ عليهم العقوبة ؟ أيّ فوضى مدمرة أسوأ من تلك التي يحاول أن يجرّنا إليها هؤلاء ؟

إنني أقول ما أعلمه علم اليقين أن هؤلاء الذين شطّ بهم المسلك لو صار بيدهم من الأمر شيء لأفسدوا وأهلكوا الحرث والنسل وضيعوا وقطعوا وضلوا وأضلوا وفتنوا وافتتنوا لأنهم شاردون عن سواء السبيل ، بعيدون عن فهم الشريعة وإدراك مقاصدها ، جاهلون بسنن الله في خلقه ، ولا يتأتى لهم نصر ولا توفيق ، وهذا مما يقطع به من لديه وعي وبصيرة ومعرفة بالنواميس والسنة ، ولكنهم يفلحون في إحداث البلبلة والإرباك ، والتغرير ببعض البسطاء ، وإطالة أمد الفتنة ، يساعدهم على ذلك صمتنا ومجاملتنا وإحساننا الظن ، مع أن الشواهد تدل على اختراق أجهزة أمنية إقليمية وعالمية لبعض هذه المنظمات والتأثير عليها ومدها بالمال وتسهيل مهماتها وهذا يعرفه الذين يحللون ويدرسون أوضاعها خاصة في العراق وفي إيران ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...) انتهى كلام الدكتور العودة .

فإلى دعاة التكفير والقتل والتفجير :

فكم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء قُتلوا باسم الجهاد , والجهاد من ذلك برئ ؟! .

يامن تفجر نفسك في حشد من الناس الأبرياء أيسرك أن تلقى الله تبارك وتعالى تحمل هؤلاء الناس على ظهرك يوم لاينفع مال ولا بنون ؟!

الإسلام دعانا للرحمة والرفق بالحيوان , فكيف بالناس والبشر ؟

(قال صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِى عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِى لِمَنْفَعَةٍ).
ما أعظمه وأروعه من دين يرعى الحرمات للحيوانات , فهل يعقل أن يترك دماء البشر ليعبث بها العابثون ؟!

إن الإسلام رحيم سمح عدل ذا بعد إنساني , وكل من يختصره بقنبلة أو حزام ناسف أو رصاصة فهو يعمل ضد الإسلام ولايقل عمله خطورة عما يفعله أعداء الإسلام من الحرب والمكيدة .

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو

14/12/2010

الخميس، ديسمبر 02، 2010

الإستبداد في خدمة الموساد


الكاتب : الأستاذ صالح النعامي

من الشعارات الجوفاء، الشعار المضلل الذي يُصور العالم العربي وكأنه مقسوم إلى فسطاطي "إعتدال" و"ممانعة"، وهو تصوير فيه الكثير من المبالغة. وإن كانت الدول العربية المنضوية تحت لواء "الإعتدال" هي الدول التي تتساوق مع المشروع الصهيوأمريكي، فإنه يتوجب إعادة تعريف "الممانعة"، ووضع معايير حقيقية لعضوية ناديها. إن أي دولـة تُدار من قِبل نظام ديكتاتوري قمعي لا يمكن أن تكون "ممانعـة"؛ فالديكتاتوريـة والطغيان هما أخطر داء يمكن أن يُصيب جهاز المناعـة لأي شـعب أو أمـة. فوجود مثل هذه الأنظمـة هو الذي يوفر البيئـة الخصبـة لاسـتغوال أمريكا والكيان الصهيوني، فهدف الديكتاتور الأسـمى هو الحفاظ على كرسـيـه، وهو مسـتعد لقبول كل شـيئ من أجل بقاءه في الحكم. النظام "الممانع" هو النظام هو الذي يصون حقوق مواطنيـه؛ لا يعتقلهم ولا يُعذبهم، ولا يُحاربهم في أرزاقهم دون جريرة ارتكبوها إلا لتبنيهم آراء لا تروق للطغاة! الطغاة عبيد لكراسـيهم، والعبيد لا يُحررون أوطاناً ولا يعزون أمـة! من يسـوم شـعبـه صنوف العذاب لن ينتصر لحرمات شـعب فلسـطين التي تُنتهك، فهذه الأمور لا تدخل في نطاق أولوياتـه، وكل ما يعني هؤلاء الأقزام هو العمل على عدم انتقال عدوى التمرد على واقع الذل إلى شـعوبهم. مشهد يعكس بشاعة النفاق العالمي وازدواجية المعايير. ولقد بيَّن أن أكثر ما يُرعب الكيان الصهيوني والمهووسون بـ "ديموقراطيته"، هو أن يُترك الخيار للعرب في اختيار من يرونه مناسباً لإدارة شؤون الحكم لديهم. وأنه كان لأمر بالغ الدلالة ما كشف عنه تلفزيون الكيان باللغة العبرية بتاريخ 10/10/2005 حول تفاصيل اجتماع عقده رئيس وزراء الكيان الأسبق (آرئيل شارون) وعدد مقلص من وزرائه مع كبار قادة الجيش وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حول تصور العلاقات المستقبلية مع العالم العربي. فقد كان من اللافت أن هناك إجماعاً بين (شـارون) وقادة أجهزتـه الأمنيـة على أنـه من مصلحـة الكيان الإبقاء على أنظمـة الحكم الشـموليـة في العالم العربي. ليس هذا فحسب، بل أن المجتمعين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن التحول الديموقراطي في العالم العربي، وبالذات في الدول التي تُحيط بالكيان الاحتلالي، سيُفاقم المخاطر الاستراتيجية على وجود الدولة العبرية نفسها. المجتمعون الذين استمعوا إلى تصورات قدمها عدد كبير من المستشرقين الصهاينة وعدد من كبار قادة أفرع المخابرات الذين تعاطوا مع الشؤون العربية خلصوا إلى نتيجة مفادها: أن التحول الديموقراطي في العالم العربي سـيُفضي بالضرورة إلى وصول نُخب سـيكون من المسـتحيل على الدولـة العبريـة التوصل معها لتسـويات سـياسـيـة وفق بوصلـة المصالح الإسـرائيليـة. ولم يكن هناك ثمـة خلاف على أن وصول الإسـلاميين إلى الحكم يعني فيما يعني أن الصراع بين العرب والكيان الصهيوني لن يُحل إلا عن طريق الحسـم العسـكري، الأمر الذي يعني أن على الدولـة العبريـة ألا تُعيد سـيفها إلى غمده أبداً...، كما يقول المؤرخ الصهيوني (بنتسيون نتنياهو) والد رئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتنياهو).


الديموقراطية تعني التشبث بالحقوق

وينضم ما توصل إليه صُناع القرار في الدولة العبرية من سياسيين وعسكريين من استنتاجات قاطعة، إلى فيض من الأحكام التي توصل إليها عدد من كبار الباحثين الصهاينة حول خطورة تحول العالم العربي نحو الدمقرطة. (البرفسور يحزكيل درور) الذي يوصف بأنه "أبو الفكر الاستراتيجي والسياسي" يقول في صحيفة الصفوة "هارتس" بتاريخ 04/03/2005: "أنا مع الديموقراطيـة، ولكن هيا نتخيل ديموقراطيـة في مصر أو في الأردن! فهل هذا سـيُعزز سـلامهما مع (إسـرائيل)؟ بالطبع لا. النُخب الحاكمـة تفهم الحاجة للسـلام، ولكن الجمهور في الشـارع، الجماهير في الأسـواق، بالتأكيد لا. اسـتطلاعات الرأي العام في مصر تُظهر بوضوح أن الجمهور لا يؤيد السـلام مع (إسـرائيل)".

ويُضيف (درور) أنه على مدى تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي فقد كان للجماهير العربية دوماً توجهات "لا سامية" أكثر من الحُكام العرب الذين كانوا في حاجة لليهود. ويخلص (درور) إلى القول أن التحول الديموقراطي في العالم العربي يعني اندفاع العرب نحو التشـبث بحقوقهم.

التعلق بـ (إسرائيل)
ويصل (بن كاسبيت) المعلق الصهيوني البارز في صحيفة "معاريف" نفس الاستنتاج حيث يقول: "أن (إسرائيل) لا يُمكنها أن تعيش في ظل تحول العالم العربي نحو الديموقراطية، حيث أن الرأي العام العربي معادي للسلام معها، في حين تعي الديكتاتوريات العربية أهمية علاقاتها بـ (إسرائيل)".


وفي "مزايا" الأنظمة الديكتاتورية التي يُشدد عليها كبار الباحثين الصهاينة هو حقيقة ارتكاز هذه الأنظمة على موقف الإدارة الأمريكية كمصدر لشرعية بقائها، في حين أن الأنظمة الديموقراطية تستند إلى شرعية نتائج الانتخابات النزيهة التي يُمليها الشعب، كما يرى المستشرق (جاي باخور) الباحث البارز في مركز "هرتسليا متعدد الاتجاهات" في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 18/01/2004. ويُنوه (باخور) إلى: أن حقيقـة حرص الأنظمـة العربيـة الشـموليـة على موائمـة سـياسـتها مع السـياسـة الأمريكيـة طمعاً في البقاء، جعلها ترى في مغازلـة (إسـرائيل) والتودد لها بمثابـة "جواز السـفر" لقلب صُناع القرار في واشـنطن! ويجزم (باخور) أن مبادرة أنظمـة الحكم العربيـة للتطبيع مع (إسـرائيل) تأتي فقط لعدم إسـتناد هذه الأنظمـة إلى شـرعيـة الانتخابات، حيث أن كل ما يهم هذه الأنظمـة هو بقاؤها، وليـس مصالح شـعوبها...

ومن المفارقة أن (باخور) يصل لاستنتاج مثير حيث يوصي صُناع القرار في الدولة العبرية بتجاهل مبادرات التطبيع التي تُبديها الأنظمة العربية!!!

يُساعدون (الموساد)
ويُشير الجنرال المتقاعد (داني روتشيلد)، الذي شغل في السابق منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" إلى حقيقة إستفادة (إسرائيل) دوماً من حقيقـة حصر الأنظمـة الشـموليـة في العالم العربي إهتمامها فقط بالحفاظ على اسـتقرارها، وعدم ارتباطها بمصالح شـعوبها الوطنيـة والقوميـة. وأضاف في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية بتاريخ 23/07/2005: "الحكومات التي يتم فرزها ديموقراطياً تكون ملتزمـة بالعمل على تحقيق المصالح الاسـتراتيجيـة لدولها، لذا فأن هناك مصلحـة إسـرائيليـة واضحـة وجليـة في بقاء أنظمـة الحكم العربيـة الحاليـة". ويضرب (روتشـيلد) مثالاً على ذلك بالتطورات الدراماتيكيـة على سـياسـة معمر القذافي، وانقلابـه على شـعاراتـه القديمـة بعد أن تملكـه الفزع من مصيرٍ كمصير صدام حسـين، ومسـارعتـه للإعلان عن التخلص من الأسـلحـة الكيماويـة، وخروجـه عن طوره من أجل اسـترضاء أمريكا!!!
من ناحيته يرى الكاتب والمعلق السياسي الشهير (آلوف بن): "أنه ليس من مصلحة (إسرائيل) تحول العالم نحو الديموقراطية وذلك لأن (إسرائيل) في هذه الحالة ستفقد خصوصيتها كـ "واحة" للديموقراطية في منطقة تحكمها الديكتاتوريات، وبذلك تفقد تل أبيب الحق في الزعم بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تربطها قواسم مشتركة مع حضارة الغرب."

ويعتبر الإسرائيليون أن الديكتاتوريات في العالم العربي أفرزت مع مرور الوقت قادة ضعاف، وبوجود هؤلاء القادة تصبح (إسرائيل) هي التي تمنح السلام لهم، لا أن تصنعه معهم، كما يقول (بنيامين نتنياهو) ـ صحيفة "هارتس" 18/04/2005 ـ. ويؤكد (عكيفا إلدار) أن (إسرائيل) وجدت فرصتها الذهبية في ممارسة الضغوط على القادة العرب الضعاف، حيث أن هؤلاء أبدوا دوماً قدراً كبيراً للاستجابة للضغوط التي مارستها عليهم تل أبيب. ولا يُساور (إلدار) شك في أن (إسرائيل) ستفقد هذه القدرة في حال تم استبدال الانظمة الشمولية في العالم العربية بأنظمة ديموقراطية.
وقد وصل الأمر إلى درجة أن كبار قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية يرون أن هناك علاقة وثيقة بين هيمنة الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي وبين استعداد المواطنين العرب على السقوط في حبائل المخابرات الإسرائيلية وقبول عدد كبير منهم للعمل لصالح هذه المخابرات! ويقول (رافي إيتان) الذي شغل منصب قائد وحدة تجنيد العملاء في جهاز (الموساد) المعروفة بـ "قيساريا" في حديث مع التلفزيون الإسرائيلي بتاريخ (15/02/2006): "أن وجود أنظمة حكم شمولية في العالم العربي سهل على (الموساد) تجنيد العملاء من العرب". ويُفسر إيتان ذلك بالقول: "أن وجود أنظمـة حكم قمعيـة تقتل الشـعور بالإنتماء لدى المواطن العربي، وهذا يوفر البيئـة المناسـبـة لتجنيد العملاء من أوسـاط العرب."

أنه إزاء هذا الموقف الصهيوني الواضح والجلي من قضية دمقرطة العالم العربي فأنه يبدو حجم مساهمة الديكتاتوريات العربية في تحقيق مصالح الدولة العبرية بشكل مباشر وغير مباشر، وأنه يتوجب التخلص من هذه الأنظمة والانتقال للانظمة الديموقراطية ولو من أجل تحسين ظروف العالم العربي في المواجهة مع (إسرائيل).



السبت، نوفمبر 20، 2010

أمراض وظواهر سلبية في الجمعيات الإسلامية في أوربا 1/2



لاخير فيكم إن لم تقولوها ...

مازالت الأمة بحاجة لمقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

( لاخير فيكم إن لم تقولوها .. ولا خير فينا إن لم نسمعها )

ومازلنا بحاجة ماسة لتفعيل قول الله تعالى :

( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران – 104.

وما زالنا نحتاج من يجدد لنا معنى قول الله تعالى :

(فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) سورالزمر17-18.

إن النقد مبدأ إسلامي , ومنهج قرآني , طبقه خير الأنام صلى الله عليه وسلم خلال مسيرة الدعوة , ورغم عصمته صلى الله عليه وسلم وأنه مؤيد بالوحي , كان ينزل الوحي في بعض الأحيان يصوب ويعاتب في بعض الأمور .

تعتبر مسألة النقد والتقييم والمراجعة ظاهرة صحية في المؤسسات والمجتمعات المتحضرة، بل هي جزء أساسي من عملية التطوير والتقويم المستمر.

الإختلاف والتباين بين الناس في الأفكار والإتجاهات سنة ربانية لايمكن مغالبتها , لكن بالإمكان العمل على ضبط الإختلاف وفق قواعد الإئتلاف .

يقول الله تعالى في محكم التنزيل : ( ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ) هود 118-119.

إنه من المستحيل إضفاء الصواب المطلق لشخص ما أو جهة ما مهما علا شأنها أو شأنه , ورحم الله الإمام مالك فقد قال : كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .

فكل عنده من الصواب ماعنده ولديه من الحق مالديه , وأيضا عنده من الخطأ ماعنده ولديه من الشطط مالديه .

فما كان حقا وصوابا نؤيده وندعمه وندعوا لأصحابه , وما نعتقد أنه خطأ فلن نسكت عنه وننتقده بصوت مسموع ولا نجامل الأشخاص على حساب المبدأ .

ندرك أن لديننا ثوابت وأصول وهذه لامجال للإجتهاد فيها , أما ما عدا ذلك فهي أمور ظنية من حق البشر في كل زمان وبيئة أن يعملوا عقولهم ليستنبطوا الأحكام التي تصب في مصلحة العباد , وهذه الإجتهادات ليست مقدسة وتخضع للتقييم ومن حقنا نقدها وتصويبها وكل في مجاله وتخصصه .

وندرك أيضا أن :

إرضاء الناس غاية لاتدرك .
لكن هذا لايبرر كتم الأنفاس ومنع النقد من خلال تسليط بعض النصوص على الناس وتخويفهم وتهديدهم معنويا .

مهما حاول المرء أن يرضي الناس و لو على حساب الحق أو الواجب فلن يصل إلى ذلك لأنهم في الغالب لا يرضون إلا بما يوافق أهواءهم و يخدم مصالحهم .

وصدق القائل :

ضَحِكْتُ فقالوا ألا تحتشم **** بَكَيْتُ فقالوا ألا تبتسم!!

بسمتُ فقالوا يُرائي بها **** عبستُ فقالوا بدا ما كتم!!

صمتُّ فقالوا كليل اللسان **** نطقتُ فقالوا كثير الكَلِم!!

حَلِمتُ فقالوا صنيع الجبان **** ولو كان مقتدراً لانتقم!!

يقولون شذ إذا قلتُ لا ***** وإمَّعةً حين وافقتهم!!

فأيقنت أني مهما أردت **** رضا الناس لابد من أن أذم!!

تعالوا نقف مع تجربة إمام من أئمة هذا الدين لنستفيد ونتعظ من هذه التجربة .

( يقول الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ ,عن تجربته مع أهل زمانه : عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين والعارفين والمنكرين فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقا أو مخالفا , دعاني إلى متابعته على مايقوله , وتصديق قوله والشهادة له .

فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك سماني موافقا .

وإن وقفت في حرف من قوله أو في شئ من فعله سماني مخالفا .

وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد سماني خارجيا .

وإن قرأت عليه حديثا في التوحيد سماني مشبها .

وإن كان في الرؤية سماني سالميا .

وإن كان في الإيمان سماني مرجئيا .

وإن كان في الأعمال سماني قدريا .

وإن كان في المعرفة سماني كراميا .

وإن كان في فضائل أبي بكر وعثمان سماني ناصبيا .

وإن كان في فضائل آل البيت سماني رافضيا .

وإن سكت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب إلا بهما سماني ظاهريا .
وإن أجبت بغيرهما سماني باطنيا .

وإن أجبت بتأويل سماني أشعريا .

وإن جحدتهما سماني معتزليا .

وإن كان من السنن مثل القراءة سماني شافعيا .

وإن كان في القنوت سماني حنفيا .

وإن كان في القرآن سماني حنبليا .

وإن ذكرت رجحان ماذهب كل واحد إليه من الأخبار قالوا طعن في تزكيتهم .

ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون علي من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم مايشتهون من هذه الأسامي , ومهما وافقت بعضهم عاداني غيرهم , وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى , ولن يغنوا عني من الله شيئا .

وإني مستمسك بالكتاب والسنة وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم ) .

كثيرًا من الناس يخافون من النقد, لأنهم يعدّون النقد نوعًا من التنقص، والبحث عن العيوب، وأنه لا يصدر إلا من حاسد، أو حاقد، وهذا المفهوم يجب تغييره، وأن يفهم الناس أن الذي ينتقدك هو من يحبك, لأن صديقك من صدَقك لا من صدَّقك

ومنهم من يخاف من النقد لأن بيته من زجاج، فهو يحارب النقد البناء، تجنبًا للفضيحة، وسترًا على الهفوات والأخطاء التي ارتكبها، سواء أكان هذا النقد في ذاته أو في أخطائه.

لن أسترسل طويلا في أهمية النقد والتقييم فلقد قيل في ذلك الكثير , وأدرك أن هناك من يصاب بصداع مؤلم جدا عندما يسمع كلمة النقد , لأن هؤلاء يودون أن يبقوا في محميات وأسوار منيعة ولا يريدون لأحد أن ينتقد أخطائهم فيعطون لأنفسهم الحصانة من خلال بعض المصطلحات التي يخوفون الناس بها مثل : انت تنشر الفتنة ... أنت تشهر بالناس ... نقدك غير بناء ... الخ ...

وهناك من يعزف على وتر الأخوة الإسلامية التي ذكرها الله في كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى : (إنما المؤمنون إخوة).

لاينكر مسلم إخوة الإسلام , ومن أنكرها فليراجع إيمانه .

لكن النقد لايعني بحال تحطيم بناء الأخوة , بل نحتفظ بمحبة كل مسلم من باب الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين , وهذه الأخوة لاتعني السكوت عن الأخطاء وخاصة تلك الأخطاء التي تتعلق بمصلحة المسلمين .

الذي يهدم بناء الأخوة تلك المجاملات على حساب قول الحق , فتصبح الأخوة هشة وقائمة على مصالح دنيوية ومتبادلة ومجرد إنتهائها تنتهي تلك الأخوة .

الناس تكره كلمة الحق (إلا من رحم ) , وهناك من تحاوره أو تسمع له وهو على المنبر فتراه يصول ويجول ويخوض
المعامع حتى ليبدوا لك أنه من أكثر الناس انفتاحا وتقبلا للنقد والرأي الآخر , ولكن ما إن تمتحن كلامه فتنتقده في

موقف ما حتى تكتشف أنك أمام شخص مختلف تماما عن ذلك الذي كنت تتحاور معه او تسمع لخطبته , فتجد الغضب

والحنق ولا يدع نصا من القرآن والسنة إلا ويشهرهما بوجهك كونك تبغي الفتنة والتفرقة , وينسى ما كان يقوله حول أهمية النقد , فانظر لهذا التناقض يارعاك الله !!!

ولكن حذاري وإياك ثم إياك أن تتفوه بكلمة واحدة تخصه أو تخص جماعته أو من حوله , فعندها يتم تفعيل قانون الطوارئ , ويتم استدعاء قوات التدخل السريع , وقوات مواجهة الشغب , وتتم إحالتك للمحكمة العسكرية ليصدر الحكم بحقك ... والبقية تعرفونها .

سيقول بعضهم: ما هي الفائدة من هذا الكلام ؟

ما هي النتيجة ؟ إلى غير ذلك من قبيل هذا الكلام .

يريدون من الناس أن تتحرك وفق رؤيتهم وبالريموت كنترول عن طريقهم .

أعرف تماما أن كل كلمة نقد سينتج عنها مزيد من الطعن والتشكيك في النوايا .

وأعرف تماما أن كارهي النقد لن يدخروا جهدا لاسكات صوت الحق , لأنهم باختصار يكرهون كلمة الحق مهما ادعوا , ويكرهون النقد مهما قالوا وبرروا وبحت حناجرهم فوق المنابر .

صدقتم فقائل الحق لن يجني ربحا من وراء النقد , لأن الأمور حسب وجهة نظركم ربح وخسارة , نعم بقياس الدنيا فهو خاسر , حيث لادولار ولا يورو ولاحتى كرون سويدي .

لكن يكفيه ذلك الربح الذي يعتقد به وهو : كلمة حق يقولها بغض النظر عن الموقف منها , فموقف كارهي النقد معروف مسبقا , وصارعبارة عن معزوفة محفوظة .

إن صمت الناس أحيانا لايعني بحال موافقة على الخطأ , كما لايعني أن كارهي النقد قدتفوقوا باستهبال الناس , بل الناس لاتريد قطع شعرة معاوية , فهلا استوعبتم الدرس ...

الذي يقول الحق لايعمل في برنامج : ما يطلبه الجمهور , ليقدم لهم ما يرضيهم , فكلمة الحق لاتعرف : الجمهور عايز كدا ...

الذي يقول الحق ينطلق من دعاء خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم : اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه , وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه .

ففي هذه الأجواء الغير سليمة والغير صحية , والتي يسود فيها التدليس على حساب الحقيقة , والتي يسود فيها قول الرجال على حساب قول الحق , ويسود فيها الطعن والتشكيك والتفتيش عن النوايا , ويسود فيها الردح .

يصبح قول الحق واجب وفريضة , حيث لامناص من مخاطبة أهل الإنصاف سواء كانوا موافقين أو مخالفين.

لو كان الأمر يتعلق بشركة خاصة لصح القول : من حكم بماله فما ظلم.
إنما يتعلق الأمر بدين يهمنا جميعا , وبالتالي من حق كل مسلم عندما يرى أخطاء ترتكب باسم الدين , فيصبح فرض الوقت هو نقد تلك التصرفات بغض النظر عن فاعلها , فقد يكون مقربا وأخا حبيبا , لكن الحق أحق أن يتبع .

يجلس معك ويحاورك حول أوضاع المسلمين في أوربا ويشتكي من التصرفات التي تسئ للإسلام وتجده يتألم , ويطالب الناس بقول الحق وأن لايسكتوا عن قول كلمة الحق , فلا تجد إلا أن تشد من همته وتشكره على هذا الحرص , لكن المفاجأة الكبرى التي تصعقك عندما تجده يجامل أصحاب الأخطاء ويبرر لهم تصرفاتهم في حضورهم , عندها يبلغ الأمر حد الإقياء على هذه النوعيات من البشر .

وهناك من يقول للناقد كلامك سليم وصحيح ولا غبار عليه , لكن ألا تلاحظ أن الوقت غير مناسب , فنحن في زمن تكالبت فيه علينا قوى الشر والباطل ويريدون القضاء على الحق وأهله ...

لا أنكر ذلك وأدركه تماما وأتفق معك في ذلك .

لكن أيضا نطرح السؤال التالي ونرجوا جوابا منطقيا وشجاعا عليه :

منذ متى ولا توجد مواجهة وصراع مع الباطل ؟

ثم إن الباطل يواجهنا بالعلم والثقافة والمعرفة والنظام والانضباط والقانون , فبماذا نحن نواجهه ؟

هل يعقل أن نواجهه بالجهل والفوضى والمجاملات والمحسوبيات والتبرير والتدليس وبالرؤوس الجهال !!!

معذرة فحالنا هذا يجعلني أستذكر حال الأنظمة الثورية التي طالما رفعت سيف البطش بوجه الشعوب الصامتة والمقهورة تحت شعار :

لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ...

كوننا في مواجهة لايعني الصمت عن الأخطاء وتبريرها لأصحابها , فلا نجعل من المواجهة مع الباطل شماعة نعلق عليها أخطاءنا .

وكوننا في مواجهة مع الباطل فهذا لايعني أن نتوقف عن التصويب والنقد والتقييم والإصلاح .

وكوننا في مواجهة مع الباطل فهذا لايعني أن يتقدم الصفوف من ليسوا أهلا لذلك .

وكوننا في مواجهة مع الباطل لايعني أن يتصدر للدعوة من لايملك الحد الأدنى لتلك المهمة .

وكوننا في مواجهة مع الباطل لايعني أن يتقلد العمل الإداري أشخاص فاشلين وغير مؤهلين لذلك .

وكوننا في مواجهة مع الباطل لايعني أن يقحم البعض أنفسهم في كل شئ , فهناك تخصص فلنحترم التخصصات .

ثم إلى متى سننتظر لتأتي لحظة توقف الباطل عن مواجهتنا , وبعدها نقوم بعملية النقد والتصويب والتقييم والإصلاح , ولن تأتي هذه اللحظة , فاقتضت سنة الله بقاء الصراع بين الحق والباطل , وفي حال الإنتظار ستتراكم الأخطاء وتكبر حتى لانقدر على حملها فنسقط نتيجة ثقلها , وعندها يستبدلنا الله لأننا لسنا أهل لحمل الأمانة .
يجب أن ندرك أننا أتباع دين يقوم على الحق والمبادئ , وبالتالي فنحن ندور مع الحق والشرع ولاندور مع الرجال .

فلماذا نخاف ونخشى النقد ؟

لقد حفل القرآن الكريم والسيرة النبوية بكثير من المواقف التي تؤكد على منهجية النقد والتصويب , مما يؤكد على أهمية ذلك وضرورته , حتى لايصبح تقديس الأشخاص على حساب المبادئ , ونستعرض جانبا من هذه المواقف :

1- الله تعالى عاتب خير البشر صلى الله عليه وسلم في سورة عبس فقال تعالى :

(عبس وتولى *أن جاءه الأعمى *وما يدريك لعله يزكى *أو يذكر فتنفعه الذكرى *أما من استغنى *فأنت له تصدى* وما عليك ألا يزكى *وأما من جاءك يسعى *وهو يخشى *فأنت عنه تلهى *كلا إنها تذكرة *فمن شاء ذكره *في صحف مكرمة *مرفوعة مطهرة *بأيدي سفرة *كرام بررة * ) عبس 1- 16.

وكان ذلك العتاب تصويبا وتصحيحا مباشر للخطأ في الإجتهاد , ولم يتم التأجيل بحجة المواجهة مع الباطل .

2- والله تعالى عاتب حبيبه صلى الله عليه وسلم في قضية الفداء لأسرى بدر فتنزّل العتاب الربانيّ الشديد , فقال تعالى :

(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) الأنفال 67-68.

ولم يتم التأجيل لحين الإنتهاء من مواجهة الباطل .

3- والله تعالى عاتب الصحابة الرماة رضوان الله عليهم الذين خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من على الجبل يوم أحد .

4- ألم يعاتب قدوتنا صلى الله عليه وسلم , سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه علانية عندما قتل رجل خطأ من بني جذيمة كما في رواية البخاري .

(أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره , حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين ).

ومن لايعرف مكانة خالد بن الوليد ذلك القائد العظيم , والصحابي الجليل , ويكفيه أن لقبه هو : سيف الله المسلول , ورغم هذه المكانة , لم تكن لديه حصانة تمنع نقد تصرفه الخاطئ , حتى لو كان هذا التصرف ناتج عن إجتهاد.

فهل نحن اليوم بأفضل من الصحابة رضوان الله عليهم ؟

حتى نجعل لأنفسنا حصانة نرفعها بوجه كل من ينتقد الخطأ.

كما لم يروي أحد أن بعض الصحابة قالوا :
كيف ينتقد هذا الصحابي الجليل ؟

هل يعقل أن ينتقد سيف الله ؟

هذا شخص قدم للإسلام فلماذا ينتقد بهذه الطريقة ؟

كل ذلك وغيره لم يقال , لأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين تربوا على أن يدوروا مع الحق ولا يدوروا مع الرجال .

وفي زماننا عندما تنتقد أخطاء تكررت وتفاقمت لشخص أسندت له مهمة إدارية أو دعوية أو على مستوى درس وموعظة ويكون هذا الشخص مقرب من جهة ما فيقال لك :

هذا قدم للدعوة فلماذا ينتقدونه ؟

هذا خدم المركز والجمعية فكيف تنتقده ؟

هذا حمامة المسجد فكيف ينتقدونه ؟

ولا يهم نوع الخطأ بل قل الأخطاء التي ارتكبها بحق الإسلام !!! المهم لاتقترب من محميتهم وسورهم ...

إنها دعوة لتقديس الأشخاص على حساب الحق .

5- أليس قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم عاتب الصحابي الجليل معاذ بن جبل عندما أطال في الصلاة فقال له : أفتان يامعاذ .

تصوروا أن يقال هذا الكلام لإمام من بعض أئمة هذا الزمان فماذا ستكون ردة الفعل :

سيقال لك : أنت تريد نشر الفتنة بين المسلمين .

أنت تريد نشر الفوضى في المسجد .

أنت تريد نشر البلبلة في المركز .

وغير ذلك من التهم الجاهزة والمفصلة.

أكرر القول إنها دعوة لتقديس الأشخاص على حساب المبادئ .

6- وهذا درس بليغ من سورة النساء , نتعلم منه النقد وقول الحق مهما كان الشخص , يقول الله تعالى :

(إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًۭا .* وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا * وَلَا تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًۭا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هـٰٓأَنتُمْ هَـٰٓؤُلَآءِ جَـٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ

فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًۭا * وَمَن يَعْمَلْ سُوٓءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُۥ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ
ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًۭا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًۭا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيٓـَٔةً أَوْ

إِثْمًۭا ثُمَّ يَرْمِ بِهِۦ بَرِيٓـًۭٔا فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰنًۭا وَإِثْمًۭا مُّبِينًۭا * وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌۭ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًۭا*) النساء 105-113

ومفاد تلك القصة أن أحد الأنصار وهو عبد الله بن الأبيرق سرق درع لأحد المهاجرين، ثم تحايل لإلصاق التّهمة بيهوديّ، واستعان ببني قومه الذين ذهبوا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه مؤكّدين أنّ الرّجل من صالح المؤمنين، وأنّهم يبرّئونه من السّرقة، وقد تقبّل المصطفى صلوات الله وسلامه عليه شهادتهم وأدان اليهوديّ بالسرقة.

فتنزل الوحي ببراءة اليهوديّ، وعتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنديد بما فعله السارق وقومه من ادّعاء بالباطل، واتّهام لليهود بغير الحقّ والدّفاع عن السارق , عتاب يبين الحق ولا يجامل المهاجر على حساب مبدأ العدل والإنصاف .

7- وقف خليفة المسلمين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه خطيبا على المنبر وتحدث عن تحديد المهور,فقامت إمراة من بين المصلين وردت على الخليفة قوله , فما كان من عمر إلا أن قال : أصابت إمرأة وأخطأ عمر.

حصل ذلك أثناء الخطبة , وأمام الناس , وبصوت مسموع , لكن عمر لم يستدعي أركان مجلس إدارته ويعقد إجتماع طارئ, ولم يستدعي المرأة ليبلغها أن مافعلته أمرخطير وفيه تعد على حرمة المسجد , بكل بساطة تراجع واعترف أنه أخطأ.

بكل أسف وألم فحالنا في قضية الإستبداد لايختلف عن تلك الأنظمة الشمولية المستبدة التي تقول :

لا أريكم إلا ما أرى .

فكل من ينتقدهم ويدعوا للتقييم والإصلاح , فهو لايأخذ بالإعتبار المواجهة مع العدو الصهيوني الغاشم , فبحجة المواجهة تلك يجب أن تخرس الناس ويجب أن يكون شعار المرحلة :

لا أسمع ... لاأرى ... لا أتكلم ...

عليك أن تقول : كل من أخذ أمي بقلوا ياعمي ...

ومع الأسف الشديد فهناك بعض المنتسبين لساحة العمل الإسلامي لايقلون استبدادا عن تلك الأنظمة الظالمة المستبدة , والفرق بينهم وبين تلك الأنظمة أنهم لايملكون مخابرات وسجون ومعتقلات , وإلا لعجت السجون بالمسلمين !!!

قرأت قصة أن أحد الطلاب كان يدرس في كلية الهندسة في جامعة دمشق , فطلب الدكتور من الطلاب تقديم مشروع معين , فجاء أحد الطلاب بمشروع غير مرتب فحصل على درجة سيئة , فذهب وعاتب الدكتور على تلك النتيجة , فقال له الدكتور مشروعك غير مرتب فرد الطالب يادكتور قلمي ردئ لذلك جاء المشروع غير مرتب , وهكذا بقي الطالب يضع اللوم على رداءة القلم , ولما زادها وتخنها قال له الدكتور أمام الطلاب : صدقني كان بودي أن أعطيك علامة جيدة لكن قلمي ردئ فماذا أفعل !!! والمعنى بقلب الشاعر.
هذا الكلام لايقصد به جهة بعينها , ولا شخصا بعينه , فهو كلام عام , أتحدث فيه عن ظاهرة تعاني منها بعض

الشخصيات وبعض الجمعيات والمراكز الإسلامية في أوربا والسويد خاصة,فمن أصابه هذا الكلام أوبعضه , فبدل اللوم عليه أن يسارع لتقييم عمله بدل أن يعيش مظلومية النقد فيعمل لطمية كما يفعل بعض الذين يعيشون الماضي ولا يخرجون من دائرته .

إنني أصف جانبا من الواقع كما هو دون تزييف ولا رتوش , وهو موجه لكل من يقف بوجه التغيير والإصلاح .

أعلم أن هناك من يصطاد في الماء العكر , وأعلم أن هناك من يصب على النار زيتا , وأعلم أن هناك صغارا يتكلمون في السر والهمس ,وأعرف أن هناك من ينتقي بعض الكلام على مبدأ : ولا تقربوا الصلاة ... فكل كلامهم عبارة عن تكأة اقف عليها لأرتفع عن مستوى هؤلاء الصغار الذين عرفوا بأنهم من رواد الفتن, والبعض يقول لماذا لاننتقد في الغرف المغلقة , فأقول لهؤلاء : بل إنَّ الصمتَ هو الذي يرسخ الأخطاء ويوسع مسار الإنحراف ، ويخنق الحق. ومازال دعاة الصمت يتذرعون بالحكمة , متعللين بدرء الفتنة , وبقدر الصمت بقدر مانتجرع المر والعلقم.

ألا إن الصمت عار، عندما تكون الحقيقة مرة! أما حكاية الغرف المغلقة فهذه تصلح لمناقشة الشؤون الشخصية، أما عندما يتعلق الأمر بالمنهج، وبالممارسات العلنية المرتبطة بالدعوة ، فإنها - أي الغرف - ليست محلاً للكلام. وبما أن الانحراف علني، والأخطاء تحدث في العلن فلا بد أن يكون التصويب علنياً أيضا, وإذا كان الخطأ في العلن، فلا يجوز أن يكون التبرؤ منه في السر.

وهناك من يقول النقد والنصيحة لهما طريق معروف وبالإمكان التحدث مباشرة مع أصحاب الشأن وكلهم آذان صاغية , بدل تلك الكتابات التي لاتسمن ولا تغني من جوع , فلهؤلاء يقال :

لقد ملت النصيحة منا حتى سئمتنا بل كرهتنا لأننا نعبث بها ولا نتعامل معها بجدية .

لقد قلنا واقترحنا بكل صدق مرات ومرات , فماذا كانت النتيجة ؟

كلامك طيب ونصائحك قيمة ونحن بحاجتها ويجب العمل بها ...

ثم بعد ذلك ترمى في عالم النسيان والتجاهل .

فتكتشف أنهم يعطونك مهدئ ومخدر ومنوم لا أكثر ولا أقل , وهكذا يتعاملون مع كل ناصح .

لذلك يضطر الإنسان لرفع الصوت متألما : كفوا عن هذه المسرحية .فلقد انكشفت اللعبة ...

وهناك أمر يحتاج أيضا لإلقاء الضوء عليه وهو : تجد شخص في موقع المسؤولية , وعندما يسمع نقدا حول الجمعية أو المركز الذي يعمل معها فتراه يرد على المنتقد بقسوة وشدة ويدافع ويبرر ولا يسمح بالنقد , بل يعتبره تشهير وفتنة .

وتمضي الأيام ويزول الكرسي من تحته , فينقلب على أصدقاء الأمس منتقدا ومشرشحا طالما أن ذلك يشفي غليله ويحقق الشحن ضد هذه الجهة .

إن هذا ليس نقدا , بل هو حقد وردة فعل سلبية فقط لأنه فقد المنصب الذي كان يشغله.
قد يقول قائل : هل يعقل أن تصور الحال بهذه القتامة وهذا السوء .

فأقول كلامي لايعني انعدام الخير , وانعدام الصادقين والمخلصين , وعدم وجود العمل المؤسسي , والبرامج والمناهج والأنظمة واللوائح .

كل ذلك موجود وشكر الله القائمين على ذلك فهم يتحملون عبء لاتتحمله الجبال , فكان الله في عونهم ورزقهم الله التوفيق والسداد والرشاد .

لكن وجوودهم لايعني الصمت والسكوت عن أخطاء الآخرين وإلا نصبح جميعا مشتركين في الخطأ .

( وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض ...).

وإلى لقاء مع الحلقة الثانية والتي أخصصها للأمراض والظواهر السلبية الحقيقية المنتشرة في ساحة عمل الجمعيات الإسلامية في أوربا وخاصة السويد .

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو

22/10/2010