الأحد، يونيو 27، 2010

مدرسة النبوة ومعالجة المشاكل الطارئة

بسم الله الرحمن الرحيم

مدرسة النبوة ومعالجة المشاكل الطارئة .



تقع الخلافات والمشاكل بين الناس ويحدث الخصام بين الرجل وزوجته وبين القريب وقريبه وبين الجار وجاره وبين الشريك وشريكه وبين العشائر بعضها مع بعض , وبين المصلين في المسجد , وهذا أمر طبيعي وحتمي ومشاهد لا يمكن إنكاره وأسبابه كثيرة لا حصر لها .

وغالبا ما تكون هذه الخلافات في بداياتها اختلاف بسيط يمكن تلافيه لو أحسن الناس التصرف ولكن الشيطان الذي (أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم) كما اخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشيطان لن يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولن يتوانى هو وأعوانه (النفس الأمارة بالسوء, والهوى المتبع ,وأهل الإفساد والشر والنميمة, والتعصب الجاهلي , وأصحاب حب الظهور ... ) في التحريش بينهم و إذكاء نار العداوة والبغضاء حتى تتحول هذه الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير لها عواقبها الوخيمة , فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة ويفرق الشمل وتهتك الأعراض , وقد يصل الأمر لسفك الدماء وانتهاك الحرمات .

ولايوجد مجتمع من المجتمعات إلا ويتعرض لمشاكل صغرت أم كبرت , حتى مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانت تحصل بينهم بعض المشاكل كونهم بشر يجري عليهم ما يجري على البشر .

(عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ حِمَارًا فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِك.َ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الأنْصَارِ مِنْهُم :ْ وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْك.َ فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَشَتَمَه،ُ فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأيْدِي وَالنِّعَالِ فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)

فالخطأ سلوك بشري لا بد ان نقع فيه حكماء كنا او جهلاء ..و ليس من المعقول والحكمة أن يكون الخطأ صغيرا فنكبره ونضخمه بسبب تصرفات حمقاء لاتمت للعقل بصلة .

ولن أدخل في تفاصيل فضل الإصلاح بين الناس وقواعد وأصول الإصلاح , بل سيكون الحديث عن مدرسة النبوة, تلك المدرسة التي فاقت كل المناهج والنظريات في الإصلاح , وسأتطرق لمواقف عملية نتعلم منها ونستلهم منها ,أصول ومنهج علاج المشاكل وكيفية السيطرة عليها , كونه صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا .

قصة الصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة :

(قصة حاطب رضي الله عنه رواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الجامع ، وأحمد في المسند ، وأبو يعلى في المسند ، وابن حبان في صحيحه ، والبزار في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والضياء في الأحاديث المختارة ، وغيرهم.

فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ . قَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقُلْنَا : الْكِتَابُ ! فَقَالَتْ : مَا مَعَنَا كِتَابٌ . فَأَنَخْنَاهَا ، فَالْتَمَسْنَا ، فَلَمْ نَرَ كِتَابًا ، فَقُلْنَا : مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ . فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ ، فَأَخْرَجَتْهُ . فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

-1-



فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِفَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ حَاطِبٌ : وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي ، وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام, وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا, وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ , مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ, أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ , فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله, أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : صَدَقَ ، وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا.

فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ

فَقَالَ : أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ؟ قال عمر : بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).

حدث من هذا النوع يعتبر خيانة عندما نتعامل معه بشكل مجرد وحسب الظاهر , لكن في ميزان الإسلام وخاصة من أهل الفضل والسابقة فالأمر يختلف , فتعالوا لنرى كيف عالج نبي الهدى والرحمة تلك المشكلة الخطيرة والتي لو حصلت اليوم لقطع رأس فاعلها حتى لوكان من كان واعتبر ذلك جهادا في سبيل الله .

الخطوة الأولى :

التثبت والتحقق والتقصي قبل إجراء أي موقف أو اتخاذ أي حكم , وأيضا عدم التسرع والجري وراء الأوهام , قال فلان ونقل لي علان وهكذا سمعت ...

فرسول الله صلى الله عليه وسلم متيقن من فعل حاطب , لكنه يعلمنا من خلال الممارسة العملية , فتريث وأرسل من يتحقق ويحضر الدليل المادي الواضح الذي لايخضع للتأويل والإجتهاد .

عندما ننظر لحالنا اليوم ونتعرض لمثل تلك المواقف فلا أسهل من تجريد اللسان والتفنن في الإتهام وإبرام الأحكام , حتى يغدو المتهم مثل الذبيحة بيد الجزار الذي لاتأخذه رأفة ولا رحمة , ثم بعد ذلك نلبس ثوب التقوى والإيمان والمشيخة !!!

فحسبنا الله ونعم الوكيل .

الخطوة الثانية :

لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بيد الآخرين بل بادر فورا وتدخل مباشرة وقطع الطريق على المتسرعين والمتهورين .

وكم نواجه ذلك في حياتنا , فما إن تحصل مشكلة حتى تجد أولي الأمر والمسؤولين يتفرجون , بينما يتدخل من لاعلاقة له بالأمر وبدل أن تنتهي المشكلة فتزداد تعقيدا واتساعا وربما تتحول لفتنة لايعلم مداها إلا الله .

وما تدخل مثل هؤلاء إلا نتيجة الفوضى وانعدام الإرادة في حسم الأمور , وتداخل الصلاحيات , بل هناك من يعتبر نفسه وصيا وقاضيا وشرطيا ويريد ان ينفذ الحكم بيده , وطبعا المسؤولين يتحملون نتيجة هذه الفوضى , حيث أنهم أعطوا للبعض

-2-

أكثر مما يستحقون فاعتقد هؤلاء أنهم هم أهل الحل .

ورغم النتائج السيئة التي تأتي بسبب هذا التدخل التعسفي , ورغم الإساءة بحق الآخرين ,فتجدهم يتهربون من مسؤولية النتائج السلبية التي سببوها بسبب تدخلهم المتسرع والأهوج , ولايكتفون بذلك بل ينفون حتى مجرد الإساءة , وربما يجرهم الإنكار لحلف الأيمان المغلظة في حين هناك من شاهد الذي حصل لكنهم يؤثرون الصمت خشية الفتنة , ومما يؤسف له أن تجد تلك الأيمان المغلظة تصدر عمن يعتبرون انفسهم قدوات ومشايخ !! يتربعون على منابر الوعظ والخطابة .

وإذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة .

وكل النتائج السلبية التي تحصل بعد ذلك يتحملها المسؤولين والذين سيقفون بين يدي الله وفي رقبتهم تتعلق كل السلبيات التي نتجت بسبب هؤلاء الذين جعلوا من أنفسهم بوليس لتنفيذ الأحكام على البشر .

الخطوة الثالثة :

في تلك الخطوة فتح نبي الرحمة المجال للمخطئ كي يدافع عن نفسه ويقدم حجته ويشرح الأسباب التي دفعته لمثل هذا التصرف , وهكذا فعل مع حاطب , فلعل هناك أسباب موجبة يجهلها الناس , مما يبرر هذا التصرف .

الخطورة الر ابعة :

فتح رسول الله أمام حاطب المجال للتراجع والإعتذار , ولم يحاصره ويضيق عليه ويزيد من تعنته على الخطأ .

كما لم يتركه للغيبة والنميمة وأن تلوك الألسن في قصته ليشهروا به ويتهمونه بتهمة الخيانة والغدر والنفاق والعمالة وأنه اصبح عميلا لمخابرات قريش , كل ذلك لم يحصل , سوى موقف من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لكنه سرعان ماتراجع عندما عرف الحقيقة .

الخطوة الخامسة :

رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي لكل شخص حقه ومكانته حتى لو كان مخطئ , فليس من المنطق أن تضع صاحب الفضل والسبق مع شخص عادي , فالقاعدة تقول : الماء إذا بلغ القلتين لاينجس , وكذلك حال أهل الفضل فلا يجوز أن ننسف ماضيهم لمجرد خطأ بدر منهم .

قصة صلح الحديبية

في العام السادس من الهجرة، وفي شهر ذي الحجة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة متوجهًا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وخرج معه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب، وليس معهم من السلاح إلا السيوف، وقد ساقوا معهم الهدي (الذبائح)؛ ليظهروا حسن نيتهم ويُعْلِموا أهل مكة أنهم جاءوا حاجين إلى البيت وزائرين له، ولم يأتوا لحرب أو قتال، بل لأداء العمرة.

ولن أسرد القصة كاملة , بل مايهمنا منها هو ذلك الصلح الذي أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستنكره بعض الصحابة وفي مقدمتهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه , حيث اعتبروا ذلك الصلح تنازل وضعف.

وعند سماع عمر بهذه الشروط أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلي. قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى.

-3-

قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلي. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول

الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتابة المعاهدة، قال للمسلمين: (قوموا، فانحروا) وقالها ثلاثًا، فلم يقم أحد، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك فيحلقك. فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج فلم يكلم أحدًا حتى نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا إبلهم، وجعل بعضهم يحلق لبعض.

ففي هذا الصلح حدثت مشكلتنين :الأولى الإعتراض على الصلح , والثانية عدم الإستجابة لأمره صلى الله عليه وسلم عندما أمرهم أن ينحروا .

فتعالوا لنرى كيف عالج رسول الله هذه المشكلة .

هذه الحادثة تؤكد أن الصحابة بشر يجري عليهم ما يجري على باقي البشر , فالخطأ منهم وارد وهم غير معصومين .

الخطوة الأولى :

كان يقين رسول الله صلى الله عليه وسلم لايتزعزع فهو واثق بنصر الله , وأن هذا الحلف هو بداية النصر والفتح , وهذا ماكان يؤكده صلى الله عليه وسلم ويؤكده الصحابي أبو بكر رضي الله عنه , وما يتصوره البعض تنازل فما هو إلا أخذ فترة لنشر الدعوة كي تنساح في الأرض , وهذا الذي أثبتته الأيام , أن الصلح والهدنة كان لمصلحة الدعوة , لكن المستعجلين لايدركون فقه الدعوة وفقه الواقع وفقه الأولويات.

الخطوة الثانية :

لم يترك رسول الله الأمور عائمة , ولم يكن يتهرب مما أقدم عليه , ولم يقل للص .

حابة عليكم بالطاعة وفقط ولا يحق لكم طرح الأسئلة والإستفسارات عن هذا الصلح , بل كان يجيب على كل سؤال بكب وضوح وشفافية .

فلما اعترض عمر كان يقول : يارسول الله ألست برسول الله؟ . قال بلى . قال أولسنا بالمسلمين ؟ قال بلى . قال أوليسوا بالمشركين ؟ قال بلى . قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني .

فكان جواب رسول الله لعمر برده للثوابت التي لايختلف حولها اثنين , فدين الله ظاهر لامحالة , وما تراه تنازل ياعمر فما هو إلا هدنة نستفيد منها في نشر الدعوة .

الخطوة الثالثة :

لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدا متفردا ومستبدا برأيه , وحاشا أن يكون كذلك , فاعتمد الشورى والتشاور والسماع لرأي الآخرين .

فلما وجد الصحابة لايستجيبون لأمره في الذبح , فدخل على أم سلمة ويستشيرها , فتقول له : اخرج وابدأ بنفسك وكن القدوة .

-4-

فهذا درس نتعلمه أن المرأة في الإسلام لها مكانة عظيمة حتى وصل الأمر بالتشاور معهم في الشؤون العامة , وشتان بين

مدرسة النبوة وبين من يضيقون على المرأة ليحصروها بين أربع جدران .

الخطوة الرابعة :

عندما اعترض عمر على الصلح أمام أبو بكر وأمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتم رده للثوابت فلم يبقى عمر مصر على موقفه بل تراجع ورضي بالصلح .

وبذلك يكون هذا الدرس لنا لنتجنب التعصب والتعنت , فعندما يخطئ من نؤيد فلا نتعصب له بل ندور مع الحق حيث دار ولا ندور مع الرجال .

الخطوة الخامسة :

لم يعتمد الرسول صلى الله عليه وسلم سياسة الكبت وكتم الآراء , ولم يقل لعمر لماذا تنتقد وتعترض ؟ هل تشكك بي ؟ لماذا تشهر بي ؟ لماذا تتطاول علي ؟

كل ذلك لم يحصل , بل على العكس عبر عمر عن رأيه دون خوف ولا خشية , وسمعها رسول الله , ثم حاور عمر وبين له وجه الصواب .

الخطوة السادسة :

عند حدوث الخلل أو الخطأ فلا بد من مرجعية تقوم بتحديد الخطأ وما يمكن أن ينتج عنه ,وهل هذا الخطأ يدخل في دائرة الإجتهاد أم أنه خروج عن الثوابت ؟ فلا يجوز أن يترك الأمر بيد الغلمان الذين لايفقهون إلا من خلال عضلاتهم , فينصبون أنفسهم قضاة على البشر , فيكفرون ويفسقون ويبدعون لمجرد التعبير عن الرأي.

فالذين اعترضوا على الصلح ولم يستجيبوا لأمر الرسول في الذبح , فلم يتطاولوا على خير الخلق وحاشاهم وهم تربية مدرسة النبوة .

لم يتهموا أحد بالخيانة والعمالة والتنازل وتمييع الدين , ولم يقولوا لأتباعهم نحذركم من السماع لهذا الشيخ أو إتباع الجماعة الفلانية , ولم يصدروا أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان بحق من خالف رأيهم أو مدرستهم ...

هكذا كان منهج النبوة في التعاطي مع المشاكل والتي كان يتم علاجها بمنطق وواقعية وحكمة , إنها مدرسة نبي الرحمة.

طريف السيد عيسى

السويد – أوربرو 27/6/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشكرك على المشاركة ,سيتم نشر التعليق بعد تدقيق مضمونه .
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)