الاثنين، أكتوبر 12، 2009

مابين الوعظ والواعظين : شروط وضوابط ومؤهلات - 1/3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين معلم الناس الخير.
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبر واحد ، مصنوع من الخشب، ليس فيه براعة النقش ولا روعة الفن، دعا الأمة منه ؛ فلبت الدنيا واستجاب العالم وتغير وجه الأرض .. أما اليوم ، فإن الأمة تملك ملايين المنابر في أنحاء المعمورة ، أكثرها مزخرف منقوش ، مزود بأحدث المكبرات ؛ ورغم ذلك كله فإن أثر هذه المنابر محدود إلا ما رحم الله!

لماذا ؟
الجواب : فتش عن فارس المنبر .

يقول الله تعالى في محكم التنزيل :
( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) سورة فصلت – آية 33.
أيها المسلم .. فتش في بلدك , في المدينة التي تسكن فيها , في المسجد الذي تصلي فيه .. كم خطيب فيها؟كم شيخ وواعظ فيها ؟ ثم كم من هؤلاء الخطباء والوعاظ والمشايخ يقوم بحق المنبر ، ويؤثر في الناس؟ كم منهم يبعث في النفس خشية الله، وحب الخير ، ويقتلع منها جذور الشر ؟ .. الله المستعان .
الناس لاتحتاج لشخص يقرأ لها , بل تحتاج لكلمة بليغة تؤثر في النفس , وتردع عن المعصية , وتدفع نحو الطاعة , وترقق القلب .
فالإنسان يحتاج للتذكير والموعظة كما هي حاجته للطعام والشراب , فلقد قست القلوب ,وأحاطت بنا الشهوات والمغريات من كل جانب , كما كثرت الدعوات والآفكار المنحرفة , وتجاه كل ذلك لابد من التذكير بين الحين والآخر.
عرفت الموعظة منذ أن خلق الله البشر , ولقد ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية بعدة مواضع .
يقول الله تعالى :

( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) سورة لقمان – آية 13.
( ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) النحل – من الآية 125.
( وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) سورة النساء – من الآية 63.
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) سورة يونس – آية 57
( هذا بيان للناس وهدة وموعظة للمتقين ) سورة آل عمران – آية 138.
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا ) صحيح الترمذي .
الآيات السابقة والحديث النبوي يؤكدان على أن الدعوة إلى الله تعالى , وتعليم الناس الخير , ونشر الإسلام , من أولى الواجبات .
فالموعظة هي نصح وتوجيه , ومحبة الخير للآخرين , فهي تذكر الناسي , وتنبه الغافل , وتوقظ النائم , وتعمل على ترقيق القلوب ,والسير على الصراط المستقيم .
ولأهمية الموعظة والواعظ كان لابد من إالقاء الضوء حولهما , وسيتم تناول الموضوع من خلال المحاور التالية :

أولا – تعريف الموعظة وبيان أهدافها .
ثانيا – آداب وضوابط لابد منها للوعظ والواعظ .
ثالثا – مصادر الموعظة .
رابعا – أمراض بعض الوعاظ
خامسا – مقترحات ونصائح .
أولا – تعريف الموعظة وبيان أهدافها :
1- تعريف الموعظة :
أ- العظة والموعظة وكذلك الواعظ , والرجل يتعظ : إذا قبل الموعظة حين يذكر الخير ونحوه مما يرق لذلك قلبه . تهذيب اللغة 164/3.
ب- الموعظة : النصح والتذكير بالعواقب , وتذكير الإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب – لسان العرب 345/15
ت – الموعظة هي : الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب – تفسير العلامة السعدي 254/4.
ث – وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب .
2 - أهداف الوعظ :
أ- النصيحة للمؤمنين : إن الدين النصيحة، والمسلم ناصح أمين ينصح الناس، ويدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أخذوا بنصيحته فحصل الخير , وإن لم يأخذو بها فيكون قد أدى النصيحة , ولا مانع من تكرار النصيحة، وتنويع أسلوبها لكي تؤتي ثمارها، ولو بعد حين.
(قال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) متفق عليه.
( وعن جرير بن عبد الله –رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامالصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.) متفق عليه.

ب –إجلال الله ومحبته وتعظيمه واتباع أوامره والانتهاء عما نهى عنه: قال ابن القيّم عن منزلة التعظيم :هذه المنزلة تابعة للمعرفة , فعلى قدرالمعرفة يكون تعظيم الربّ تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمّاً وإجلالاً، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته, ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، قال تعالى : - مَا َلكُمْ لا تَرْجُونَ لله وقارا – نوح 13 ,قال ابن عباس ومجاهد لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وروح العبادة هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت) مدارج السالكين -495/2
فعلى من يقوم بمهة الوعظ أن يعمل على غرس هذه المعاني في النفوس , ويستخدم كل مايؤدي لذلك , من تركيز على أسماء الله وصفاته , ونعمه وآلائه والتفكر فيها .
ت – محبة الخير للسامعين : (عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فقال: أفضل الإيمان أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله, قال: وماذايا رسول الله؟ قال: أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيرا أو تصمت (رواه أحمد
فالواعظ يجب ان ينطلق من حبه للناس وشفقته عليهم ورحمته بهم، وهذا الحب يجعله يسعى حثيثا لإبعادهم عما يغضب الله ويسخطه مما يلحق بهم الأذى والعذاب.. وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم , حيث قال له ربه ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ).
ث – تليين القلوب : إن القلوب تقسو لتصبح كالحجارة أو اشد قسوة , وابعد القلوب عن الله القلب القاسي , الذي لاينفعه تذكير , ولايلين لموعظة.
وهنا يأتي دور الواعظ ليحدث عن الرقائق التي تلين القلب وتجعله أكثر تعلقا وخشية لله تعالى , فيذكرهم بالوعد والوعيد , وسكرات الموت , وما أعد الله لعباده المؤمنين المتقين , والتذكير بما يتمتع به الإنسان الصحيح المعافى وما يعانيه المريض , يذكرهم لهم بالغنى والفقر ,ويذكر كل ما يؤدي لترقيق القلوب . قال تعالى
( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم (سورةالحديد – آية 16.
( كان بعض السلف يقول : حديث يرق له قلبي أحب إلي من مائة قضية من قضايا شريح ).
ج - إقامة حجة الله على خلقه : الدعوة إلى الله من الواجبات والأعمال الجليلة لذلك قال الله تعالى :
( وَ لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ )سورة آل عمران - آية 104
و قال فيهم : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) سورة التوبة – آية 122
لايمكن أن نقيم الحجة على الناس إلا من خلال التعليم والتعريف , والإرشاد والتوجيه , والتذكير وهذا يحتاج لأشخاص مؤهلين لتلك المهمة, فالداعية والواعظ يحتاج إلى عدة لا بأس بها من العلم والحجة والبرهان والمنطق السليم والقدرة على الاستدلال , ويحتاج إلى قدر عظيم من حسن الخطاب والقدرة على البيان والتعبير السليم عن فكرته ، و قدرة على عَرْضٍ سليم لأدلته و حججه ويحتاج إلى قدر عظيم من الحكمة وليزن كل واعظ نفسه مقابل ماهو مطلوب منه , فإن وجدها أهلا للدعوة والوعظ فليقتحم المجال , وإلا فليخلي المكان لمن هو أهل للدعوة والوعظ, وحتى يتحقق الداعية والواعظ من أنه يقيم الحجة على الناس فلا بد أن يكون هدفه : بيان الحق للناس , الحث للإستجابة لأوامر الله ونواهيه , التبشير برحمة الله وعذابه , العمل على تزكية النفوس وإصلاحها , الرد على الشبهات والأفكار الهدامة , الإعذار إلى الله , إن الدعوة إلى الله ليست شهوة كلام , ولا حب للوقوف خلف المايكرفون , فهي عبادة لله تعالى فلتكن خالصة لله ووفق منهج النبوة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشكرك على المشاركة ,سيتم نشر التعليق بعد تدقيق مضمونه .
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)