الاثنين، أكتوبر 12، 2009

مابين الوعظ والواعظين : شروط وضوابط ومؤهلات - 2/3

ثانيا – آداب وضوابط لابد منها للوعظ والواعظ :
حتى تؤتي الموعظة ثمارها والنتائج المرجوة منها فلا بد لها وللواعظ من آداب وضوابط وشروط , ويمكن تلخيصها بعدة أمورمنها :
1- التخول بالموعظة مخافة السآمة والملل :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا ).صحيح الترمذي
سئل ابن مسعود عن التخول فقال يوما واحدا في الأسبوع , وليت ابن مسعود يطلع على حالنا ويرى التهافت اليومي
على الموعظة .
بل ومن خلال استعراض حياة السلف فلا يوجد ما يدل على وجود الموعظة يوميا كما نرى اليوم .

( عن ابن مسعود رضي الله عنه , أنه كان يذكر كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم , فقال : ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ).
فعلى القائمين على أمر الوعظ في المساجد والمراكز الإسلامية أن يراعوا هذا الجانب المهم ولا يبرروا الظهور الدائم بأن الناس هي التي تريد , فهذا المبرر حجة عليهم لا لهم , فالقصد تعليم الناس لاتنفيرهم من العلم .
( ذكر البيهقي وغيره عن ابن مسعود قال : حدث الناس ما أقبلت عليك قلوبهم إذا حدقوقك بأبصارهم , وإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم , وذلك إذا اتكأ بعضهم على بعض ).
بعض الوعاظ يرى تململ الناس من حديثه وتركهم لمجلسه ورغم ذلك يستمر في موعظته , فليته يتوقف ويكون بذلك قد أراح الدعوة من التنفير .
وعلى الواعظ الممل أن يعلم أنه بسلوكه هذا يؤدي لإهانة العلم والدعاة والوعاظ .
( قال ابن عبد البر : كان يقال ستة إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم : الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها , وطالب الفضل من اللئام والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه فيه , والمستخف بالسلطان , والجالس مجلسا ليس له بأهل , والمقبل بحديثه على من لايسمع منه ولا يصغي إليه ).
فخير الكلام ما قل ودل ( روى البيهقي . قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لقد رأيت أو أمرت أن أتجوزفي القول , فإن الجواز هو خير ).
فمن يعتقد إن الإطالة وتكرار الكلام هو الخير والنافع, فهو واهم ولايفقه معنى الوعظ والدعوة .
(روى مسلم . قالت عائشة رضي الله عنها . إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثا لوعده العاد لأحصاه)
2- التقوى والصدق وإخلاص النية :
إنها من أعمال القلوب , وعليها مدارنتائج العمل بفوز أو خسران لابد للداعية والواعظ أن يتجرد بنيته لتكون خالصة لله تعالى , لا من أجل مدح وثناء وشكر وليشار له بالبنان .
(يقول الإمام الشهيد حسن البنا : الإخلاص هو قصد المسلم بقوله و عمله و جهاده كله وجه الله و ابتغاءمرضاته و حسن مثوبته ، من غير نظر إلى مغنم أو منفعة أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر ليكون المخلص جندي فكرة و عقيدة لا جندي غرض أو منفعة ( قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين) أخلص العمل لله أي صفّاه من كل شائبة حسيةً كانت أو معنوية).
ولا يخفى ما للصدق من أثر بالغ في مسيرة الدعاة والوعاظ ، إذ يظهر الصدق في كلام الداعي والواعظ ، وسمته ولهجته وحرارة عاطفتة ، فيؤثر ذلك في المدعوين ، ويترك فيهم انطباعاً عميقاً بمصداقية الفكرة التي يدعو إليها ويؤمن بها .
والصدق يزرع في النفوس الثقة والطمأنينة والراحة والأنس ، فيركن الناس إلى الدعاة الصادقين ويثقون فيهم وبهم ويأمنونهم ، وتقوية هذه الوشائج بين الدعاة والمدعوين من أهم أسباب نجاح الدعوة ولا يتحقق ذلك إلا بالصدق .وللتقوى أهمية كبرى في دين الله عز وجل إذ إنها ركيزة عظمى ترتكز عليها أصول الإسلام ومبادئه ، وأحكامه وشرائعه . وهي الوصية النبوية للدعاة الذين كان يرسلهم صلى الله عليه وسلم لتبليغ دعوته ونشر رسالته.
إن المتقي الصادق هو من اتقى الله في سرّه وعلانيته ، وغيبته وشهادته ؛ ذلك لأنه علم أن – الله عز وجل – قريب منه ، مطلع عليه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فمن استحضر رقابة الله عليه في أحواله كلها أوجب له ذلك الكف عن المحرمات والتوقي عن السيئات .كان الإمام أحمد يُنشد:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب
قال أحد العلماء: جماع التقوى في قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْيِ َيعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل-90
3- العلم والثقافة :
العلم من أجل نعم الله علينا ؛ ولقد كرم الله أهل العلم وأجزل لهم العطاء ، ورفع لهم الدرجات .قال تعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) سورة المجادلة -11
.وقال تعالى ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) سورة الزمر – آية 9
(ومن الحكم المأثورة عن السلف في فضل العلم ما أخرجه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله من حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه قال:" تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، ومنار سبيل أهل الجنة ، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخيرقادة وأئمة يقتصّ آثارهم، ويحتذى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في ظلهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم, يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومداومته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء ).
ولابد للداعية والواعظ أن يوظف هذا العلم في الدعوة إلى الله تعالى على هدى وبصيرة.
قال تعالى ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
فالداعية أو الواعظ مطلوب منهما الدعوة على علم وبصيرة , أما الجهل فيورد المهالك , وينشر الفتن , فكم من واعظ تطرق لبعض الأمور من منطلق فهمه فخلق فتنة بين المصلين بقيت آثارها السلبية لفترة طويلة , والسبب هو قلة بضاعته من العلم .
فكم رأينا من واعظ يبدأ مسيرته الوعظية مندفعا متحمسا بما عنده من معلومات , ثم لايلبث أن يبدأ بتكرار ماقاله قبل فتر ةوالسبب هو العزوف عن طلب العلم والقراءة والإطلاع .
وبعض الوعاظ يحصرون انفسهم في جانب معين وياليتهم بقوا عليه وأبدعوا, فتراهم يقتحمون مجالا معينا , فترى الواحد منهم يتكلم في أمر ما وهو لايعرف ألف باء هذا الأمر , وإذا نصحته لايقبل النصح بل يزداد غرورا واتباعا للهوى والإنتصار لحظ النفس .
عندما نتحدث عن ضرورة العلم , فلا نقصد صد الوعاظ والدعاة عن مهمة الدعوة إلى الله تعالى , بل لنحثهم على مواصلة طلب العلم والصبر على التعلم , وأيضا هناك أمور من المعلوم من الدين بالضرورة فهذه مما يستطيع كثر أن يذكروا بها , لكن عندما يصل الأمر لأمور تحتاج لتأصيل فهنا لابد من العلم .
ومن البلاء الذي ابتلي به العمل الإسلامي وبعض المساجد والمراكز الإسلامية وخاصة في أوربا , فتجد بعض من يتصدرون للوعظ وهم ليسوا أهلا لذلك , فلا علم لديهم ولا معرفة , والقائمين على تلك المراكز يعرفون ذلك , ويصرون على تقديم هؤلاء , فإن نصحهم ناصح فيكون الجواب : لانستطيع أن نزعل فلان . لكن نزعل ديننا وننفر الناس ولا نزعل شخص واحد !!!
حتى المجاملة وصل حدها على حساب الدين .
تجد بعض الوعاظ ينسبون قولا للرسول صلى الله عليه وسلم بل ويؤكد أنه حديث صحيح , وعندما تؤكد له أن هذا القول هو لشخص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم , فيكون جوابه أنه متأكد وسوف يأتي بالدليل وتنتظر وتنظر فلا يقدم لك أي دليل ثم يكرر ذكر هذا القول مرات ومرات , فما أخطر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

(يقول ابن قيم الجوزي في كتاب تلبيس ابليس : إن الوعاظ كانوا في قديم الزمان علماء فقهاء …ثم خست هذه الصناعة فتعرض لها الجهال فبعد عن الحضور عنهم المميزون من الناس، و تعلق بهم الهوام والناس فلم يتشاغلوا بالعلم و اقبلوا على القصص و ما يعجب الجهلة، وتنوعت البدع في هذا الفن ) .
(قال العلامة القاسمي رحمه الله في موعظة المؤمنين : موعظة العامة و التصدي لارشادهم في الدروس العامة من الأمور المهمة المنوطة بخاصة الأمة إذ هم أمناء الشرع و نور سراجها و مصابيح علومه و حفاظ سياجه(
4- التحضير المسبق :
الموعظة عبادة لله تعالى ولابد لمن يقوم بهذه المهمة ان يستعد لها , كما يستعد العبد لآداء الصلاة , فقبل الموعظة لابد للواعظ أن يحضر ويستعد حتى تؤتي الموعظة أكلها .
وحتى تكون الموعظة ناجحة فلابد للواعظ من :
أ- إختيار الموضوع : من حيث النوع والمضمون .
ب – التحضير : ويتم من خلال قراءة ومراجعة في الكتب التي تحدثت عن الموضوع المراد التحدث حوله , وكذلك تحديد الهدف من وراء طرح هذا الموضوع ,وأيضا حصر الأمثلة والشواهد التي سيتم ذكرها .
ت – خطة سير الموعظة : لابد أن يضع الواعظ خطة لموعظته بحيث تتضمن , مقدمة ,ثم أقسام الموعظة ,ذكر بعض الأمثلةمن قصص وأمثال وأشعار , الخاتمة .
وبدون هذه المنهجية تكون الموعظة عشوائية فوضوية , لاطعم ولا لون ولا رائحة لها , ويجعل السامعين كمن دخل في متاهة لايستطيع الخروج منها , فتكون النتيجة سلبية .
وبعض الوعاظ ممن لديهم غرام مع الميكرفون , يقفون للوعظ بدون تحضير فتراه يكرر الفكرة الواحدة مرات , ويتعثر مرات ومرات في الكلام , ويأتي بمعلومات غير دقيقة , وكل ذلك بسبب الإرتجال وعدم التحضير .

5- ذكر بعض القصص والأمثال والشعر :
شكلت القصص جزءا كبيرا من القرآن الكريم، باعتبارها محلا هاما للاعتبار والاتعاظ والاستفادة والتربية.

قال تعالى مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )لأعراف- من الآية176
وقال تعالى:﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) سورة يوسف - آية 3
وأخبر عن تأثير القصص في نفس المتلقي، فقال تعالى:﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ) سورةهود- من الآية120.
وعلى الواعظ أن يتجنب ذكر القصص المكذوبة والموضوعة والإسرائيليات .
فلدينا مراجع غنية وثرية , مثل السيرة النبوية , سيرة الصحابة , سيرة السلف الصالح والتابعين,سيرةالأعلام المعاصرين كما يمكن ذكر بعض الأمثال من باب التماثل الجزئي أو الكلي بين شيئين أو حالين طلباً لإثبات أو إيضاح أحدهما اعتماداً على ثبوت أو وضوح الثاني والمثال ُيستخدم في تقريب المعنى وإيضاحه والإقناع به والحث على الفعل ونحو ذلك، وله لأجل ذلك تأثير عظيم،
قال ابن حجر في شرح حديث (النخلة):(وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة)
وقد عد الإمام الشافعي علم الأمثال مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن والسنة.
ووردت الأمثال في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) سورة النحل - آية7.
ومثال آخر يضربه القرآن الكريم يقول الله تعالى :﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قرَارٍ) سورة ابراهيم – آية26
فهذا المثال يصور الكلمة الطيبة بصورة الشجرة الطيبة الثابتة التي تؤتي ثمرها كل حين، وتصور الكلمة الخبيثة بصورة الشجرة الخبيثة التي لا قرار لها ولا ثمر ينتفع به، يقول سيد قطب مبينا بعض أبعاد هذا المثل: ( إن الكلمة الطيبة - كلمة الحق - كالشجرة الطيبة. ثابتة سامقة مثمرة.. ثابتة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل ؛ ولا تقوى عليها معاول الطغيان - وإن خيل للبعض أنها معرضة للخطر الماحق في بعض الأحيان – سامقة متعالية تطل على الشر والظلم والطغيان من عل - وإن خيل إلى البعض أحيانا أن الشر يزحمها في الفضاء - مثمرة لا ينقطع ثمرلأن بذورها تنبت في النفوس المتكاثرة آنا بعد آن ويخيل إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى , ولكنها تظل نافشة هشة , وتظل جذورها في التربة قريبة حتى لكأنها على وجه الأرض .. وماهي إلا فترة ثم تجتث من فوق الأرض , فلا قرار لها ولا بقاء . – سيد قطب – في ظلال القرآن ).
ولم يقتصر ذكر الأمثال في القرآن الكريم بل نجد ذكرها في السنة النبوية ايضا . ومن الأمثال التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي يمكن استثمارها في الموعظة:
( ما روي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ضرب الله مثلاً صراطا مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرجوا، وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة: محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله تعالى، والداعي فوق الصراط:واعظ الله في قلب كل مسلم). ومن المناسب ان يزين موعظته ببعض الشعر الهادف , وبذلك تكون الموعظة كبستان من الزهور والورود المتنوعة بحيث تكون لكل زهرة رائحة ولون تسر الناظرين والسامعين .
6- مراعاة الوقت وعدم الإطالة :
( روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول على المنبر : أيها الناس لاتبغضوا الله إلى عباده , فقيل كيف ذاك أصلحك الله ؟ قال : يجلس أحدكم قاصا فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ماهم فيه , ويقوم أحدكم إماما فيطول على الناس حتى يبغض إاليهم ماهم فيه ).
فبعض الوعاظ يطيلون الوعظ إطالة فوق العادة، فيكرر الكلام، ويعيد الحديث، وكلما أوشك على الانتهاءواستبشر المؤمنون بفتح الله وانتهائه، تذكر معلومة فكر عليها شارحاً، ثم يهدئ من سرعته، فيقول الناس جاء الفرج، انتهى الرجل أو كاد، فتظهر إلى ذهنه مسألة فيعود إليها مستأنفاً، باسطاً القول، فآخر كلامه ينسي أوله، وهو بين ذلك يتذاكى على الجمهور ويقول: أيها الإخوة لا أريد الإطالة عليكم، أو معذرة من الإطالة أو يقول: أيها الإخوة لا تعجلوا، فإن دنياكم لا تنتهي، وهذا المجلس خير لكم، فلا يستخفنكم الشيطان, فيكتبون له ورقة تلو الورقة ينبهونه على الوقت , لكن صاحبنا أخذته حالة من الصبابة فلم يعد يحس بمن حوله .
فالإطالة آفة من آفات الواعظين، وهي تضر الدعوة أكثر مما تنفعها. ولهذا يلزم التنبيه عليها والتحذير من آفاتها. فكلما طال المجلس كان للشيطان منه نصيب، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه. والرغبة في الإطالة تنشأ من إحدى العوامل الآتية:
أ - إعجاب المرء بنفسه، وتصوره أن علمه جديد على الناس، خصوصا إذا لاحظ من بعضهم استحسانا وثناء. وهذا من الغرور.
ب - حب الشهرة والمحمدة والانشغال بالنفس، وهو من الرياء. ويجدر بالدعاة أن يخافوا على أنفسهم من هذا الشرك الخفي.
ت - الغفلة والنسيان وعدم تقدير مصلحة الآخرين. وقد يكون التطويل مقصودا من جانب المتكلم لما يظن أن تحقيق المنفعة، أو لأن الموضوع في ذاته طويل ومتشعب.
ومما تقدم فعلى الداعية أن يعلم أن الأمة الإسلامية قد طالت محنتها، وكثر عليها الكلام الذي لم تجن منه إلا القليل/ وقد أًضحت تزهد في كثيره وقليله على السواء. وخير للمرء أن يعرف أشياء قليلة معرفة تامة، من أن يعرف أشياء كثيرة معرفة عامة , ثم إن الطاقةالذهنية محدودة ولا يملكن السامع عادة أن يتابع بانتباه أكثر من 15 دقيقة إلا إذا كان الواعظ ذا مهارة فائقة يستطيع أن يسيطر على لب السامع ولبابه. وهذا نادرا ما يكون، إذ الغالب أن يصيب السامع بعد هذه المدة الإعياء أو الشرود، فيتمنى أن يستريح حتى يجد مشوقا آخر. والكلام في المجال الديني معروف للمسلمين خاصة، ففي كل موضوع ديني جاءت آيات وأحاديث نبوية معينة. والمستمع الذي عاش ثلاثين عاما لا بد أنه سمع هذه النصوص عشرات المرات. فانتبه يا أخي لهذا، وحاول أن تجدد وتتجدد، فإن لم تستطع فعليك أن تجتهد وتختصر.
والأولى أن يحدد الوقت والموضوع من قبل وأن يحترم ذلك بدقة, وآفة التطويل يلزم تفاديها في موضعين ,الصلاة والمواعظ , فكم من حاضر جاء بنية الصلاة , والإنتفاع لوقت محدد حيث ينتظره بعدها شغل أو عمل أو موعد أو غير ذلك , فلا يستطيع مغادرة المسجد قبل الصلاة لأن ذلك منهي عنه , أو لايرتاح للواعظ بسبب خبرته ومعرفته به,
وكلنا سمع بما قاله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما اطال في الصلاة : أفتان يامعاذ ؟!

7- مراعاة حال ووضع ومشاعر السامعين :
لابد للواعظ أن يكون عارفا بالبيئة المحيطة به , وبمكونات الناس وأحوالهم وعاداتهم , وأن يحترم ذلك كله , ولا يجعل من نفسه ميزانا يقيس به الآخرين .
فبعض الوعاظ يريد أن يفرض قناعته على الناس معتبرها بديهيات شرعية , وعندما تدقق بها تجدها عادات ورثها من بيئته التي عاش بها , فجعلها دينا يجب أن يتبع .
إن لكل شعب عادات وتقاليد واسلوب حياة , وطالما أنها لاتتعارض مع ثوابت الدين وأصوله فلا يجوز التعرض لها من باب النقد , فذلك مما يستثير الآخرين ويثير الفتن بين مكونات رواد المسجد .
ومما لاشك فيه أن الله فطر الناس على صفات متفاوتة , وإدراكات متباينة , فمنهم من يتأثر بالعاطفة , ومنهم يناسبه الطرح العقلاني , ومنهم يحب الترغيب , ومنهم يتأثر بالترهيب , ومنهم الصامت , ومنهم الذي لايقبل المعلومة إلا بعد نقاش وحوار, ومنهم الجاهل , ومنهم البسيط ومنهم القوي , ومنهم الضعيف , ومقتضى الحكمة يتطلب من الواعظ أن براعي ذلك كله قدر المستطاع في إطار ماشرعه الله .

(يقول الإمام علي رضي الله عنه: "حدّثوا الناس بما يعقلون, أتحبون أن يُكذَّب اللهُ ورسولُه!؟).
وهذا يتطلب تغير الخطاب وتنويعه حيث لكل مقام مقال , فما يقال للمسلم غير مايقال لغير المسلم , ومايقال لجديد عهد بالإسلام والإلتزام غير مايقال لقديم وعريق بالإلتزام , ومايقال للمسلم المستقيم غير مايقال للمسلم العاصي , ومايقال للمسلمين في ديار الإسلام غير مايقال للمسلمين في مجتمع غير مسلم , وما يقال للشباب غير مايقال للشيوخ , ومايقال للنساء غير مايقال للرجال , ومايقال للأقوياء غير مايقال للضعفاء , ومايقال للأغنياء غير مايقال للفقراء .
ومن الواجب أن يتعرف الواعظ على منهج النبوة في التعامل مع الناس ومعرفة وتقدير أحوالهم .

(أخرج مسلم في صحيحه . عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله علي وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله , فرماني القوم بأبصارهم , فقلت : واثكل أمياه – والمعنى وافقد أمي - ما شأنكم تنظرون إلي , فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رايتهم يصموتنني لكني سكت , فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فبأبي وأمي مارأيت معلما قبله , ولا بعده أحسن تعليما منه , فو الله ما كهرني – أي لم يستقبلني بوجه عبوس - , ولا ضربني , ولا شتمني , قال : إن هذه الصلاة لايصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبيروقراءة القرآن ... قلت : يارسول الله إني حديث عهد بجاهلية)
8- التدرج في العرض :
يجب ان يكون الواعظ كيس فطن وحكيم , فلو أراد طرح فكرة جديدة على الحضور وربما تخلق حالة من البلبلة ,
فيجدر به أن يتدرج بطرحها حتى تصبح مألوفة لديهم .
ولا شك أن الشريعة الإسلامية جاءت على أساس مراعاة مصالح الناس ، ودفع المفاسد عنهم ,فاقتضت هذه المراعاة التدرج في الدعوة إلى هذه الشريعة .
(يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان : هذا التدرج باق عند الحاجة إليه ، ولا شك أن الشارع تدرج في تشريع الأحكام رحمة بالناس ، وترغيبا لهم في القبول ، ومن ذلك تدرجه في شريعة الصيام ، وتدرجه في تحريم الخمر ، وذلك من أجل الرحمة بالناس وعدم المشقة عليهم ، وهذا التدرج مطلوب عند الحاجة إليه في كل زمان ).
وتقتضي الحكمة في دعوة المسلمين إلى بعض أمور الشريعة في هذا العصر مراعاة جانب مهم وهو تأخير إنكار المنكر إذا اقتضت حاجة الدعوة ذلك .
( يقول فضيلة الشيخ محمد العثيمين : تأخير إنكار المنكر قد يكون من باب استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله ، فقد يكون هذا الرجل الفاعل للمنكر لا يناسب أن ننكر عليه في هذا الوقت بالذات ، لكن سأحتفظ لنفسي بحق الإنكار عليه ، ودعوته إلى الحق في وقت يكون أنسب ،وهذا في الحقيقة طريق صحيح ، فإن هذا الدين كما نعلم جميعا بدأ بالتدرج شيئًا فشيئًا ، فأقر الناس على ما كانوا يفعلونه من أمور كانت في النهاية حرامًا من أجل المصلحة ، فهذه الخمر مثلًا بين الله تعالى لعباده أن فيها إثمًا كبيرًا ومنافع للناس ، وأن إثمها أكبر من نفعها ، وبقي الناس عليها حتى نزلت آخر آية فيها تحرمها بتاتا ، فإذا رأى إنسان من المصلحة أن لا يدعو هذا الرجل في هذا الوقت ، أو في هذا المكان ، ويؤخر دعوته في وقت آخر ، أو في مكان آخر لأنه يرى أن ذلك أصلح أو أنفع ، فهذا لا بأس به).
ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا .

9- تجنب التشدد في الطرح :
( الإسلام منهج وسط في كل شئ : في التصور والإعتقاد , والتعبد والتنسك , والأخلاق والسلوك , والمعاملة والتشريع - الشيخ يوسف القرضاوي .)
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) سورة البقرة – آية 143.
وجاء النهي عن التشدد والتعنت متكررا في القرآن الكريم والسنة النبوية
( قل يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)سورة المائدة – آية 77.
( روى مسلم في صحيحه . عن ابن مسعود رضي الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون , قالها ثلاثا ).
(قال الإمام النووي : أي المتعمقون المجاوزن الحدود في أقوالهم وأفعالهم .)
فالتشدد منفر وسلوك لاتحتمله الطبيعة البشرية ولا تصبر عليه , كما أنه يكون على حساب أعمال أخرى .
فعلى الواعظ تجنب الدعوة للتشدد والتعنت , وخاصة في القضايا الفقهية والجزئية التي اختلف فيها الأولون . فبعض الوعاظ يعتمد قولا فقهيا ويعتبره ثابت من ثوابت الدين وكل من خالفه فقد ارتكب محرما عظيما , فتراه يشن حملة ضد مخالفيه , أو يتخذ موقفا متشددا من الشخص المخالف .
وكم من واعظ تشدد في قضية ما في زمن ما في مكان ما , وإذا به يتساهل في نفس القضة في مكان آخر , فما هذاالتناقض العجيب ممن يقدمون انفسهم على أنهم دعاة ووعاظ وشيوخ.
يقف أحدهم يحدث عن الورع والتقوى فتراه يتشدد في طرحه , حتى يهيأ لك أنه من أورع الناس , ثم تكتشف كثير
من الشبهات التي يقع بها, وعندما تواجهه بها يبرر لنفسه بمبررات ما أنزل الله بها من سلطان , ثم يقاطعك لأنك كشفت تناقضه وأن تشدده مجرد مظاهر, وورعه ورع كاذب .
إن الأصل في الدعوة التيسير والتبشير .
( قال صلى الله عليه وسلم : يسروا ولا تعسروا , وبشروا ولا تنفروا ).
وقال تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ) سورة البقرة – آية 185.
وحقيقة أمر التشدد ناتج عن عدم فهم الدين , فالبعض ولمجرد أنه حفظ بعضا من الحديث وسور القرآن فيضع نفسه
ضمن زمرة العلماء , وحقيقة الأمر أنه جاهل يحفظ نتفا من هنا ونتفا من هناك .
10- الإبداع في أسلوب العرض :
الإسلام دين دعوة , ومتى تعطلت الدعوة , ذهب الدين ومضمونه وبقي اسمه , وتبليغه واجب في كل زمان ومكان , وهذا يتطلب الاستفادة من كل الوسائل المتاحة لتصل دعوتنا لكل الناس .
لقد تعددت وسائل إيصال المعلومة , وهذا يجعل الدعاة والوعاظ ملزمين باللحاق بركب التطور واستخدام الوسائل الحديثة في تبليغ الدين , الكتاب , المقال , الدروس والمحاضرات والندوات , أشرطة الفيديو والكاسيت وسي دي , شبكة الأنترنت , شاشات العرض والمسرح والسينما , الإذاعة والتلفزيون .
وهناك قاعدة مهمة تجب مراعاتها وهي أن الإسلام طالبنا باستخدام الوسيلة النبيلة والشرعية , وحرم علينا القاعدة القائلة : الغاية تبرر الوسيلة .
إن بقاء بعض الدعاة والوعاظ على الوسائل التقليدية جعل مردود وعظهم سلبي حيث يشعر السامع بالملل والسآمة .
وعليه لابد من الإبداع في ابتكار الوسائل الناجعة والناجحة في الدعوة .
يمثل التجديد دائما سببا رئيسا من أسباب النجاح في جميع المشاريع وفي كل المجالات تقريبا.. وغالبا ما تصاب الأعمال والمشاريع التقليدية بالفشل ولو بعد فترة من الزمن، إذ إن عنصر الابتكار واستحداث أفكار ورؤى جديدة يستهوي الفئة المستهدفة فيزيد الطلب على المعروض ويحدث الرواج المطلوب., ونلاحظ ذلك في صناعة الدعاية والإعلان , وهل أعظم وأفضل من بضاعتنا شريعة الله فلا بد ان نروج لها بكل الوسائل الحديثة الممكنة والمتاحة
إن الأداء الروتيني يفقد الداعية والواعظ كثرة الحضور، كما أنه يحرمه أتباعا جددا يمكن أن يكتسبهم بمجرد إدخال تغييرات بسيطة في طريقة دعوته أو فتح باب جديد لتطوير عرضها، ونحن هنا نقصد الدعوة بمعناها الشامل والواسع لا مجرد درس علم أو موعظة، فالدعوة أكبر وأوسع من أن تحصر في ذلك، ولا مانع أبدا أن يفتح الإنسان بابا لنشر الدين ربما لم يخطر على بال أحد قبله، فالمعروف أن وسائل الدعوة ليست توقيفية كما أنها بإمعان النظر لا نكاد نراها تقف عند حد معين طالما أنها لا تخالف دين الله تعالى وأصول شريعته.
( روى الترمذي وابن ماجة والقضاعي في مسند الشهاب .عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها – واللفظ للترمذي ) .
11- الجمع بين أسلوب الترغيب والترهيب :
يقول الله تعالى ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) سورة الحجر 49-50.
ويقول تعالى ( عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ ) سورة الأعراف – من الآية 156.
نلاحظ أسلوب القرآن بالمزج بين أسلوبي الترغيب والترهيب , وهكذا يجب ان يكون الواعظ فلا يركز على جانب ويهمل الآخر .
فالمبالغة بالترغيب والتبشير تؤدي للإستهانة بحدود الله وحرماته , وإطفاء جزوة الخوف والخشية من الله تعالى .
( قال أبو حفص رضي الله عنه : الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه , وقال : الخوف سراج في القلب , به يبصر مافيه من الخير والشر , وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى فإنك إذ خفته هربت إليه , فالخائف هارب من ربه إلى ربه ).
كما أن المبالغة والتركيز على الترهيب والإنذار تؤدي للقنوط من رحمة الله , وهذا يؤدي لمعرفة الله معرفة خاطئة والواعظ هو السبب .
قال الله تعالى ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) سورة الزمر – آية 53.
( يروى أن مجوسيا استضاف ابراهيم عليه السلام فقال : إن أسلمت أضفتك , فمر المجوسي , فأوحى الله تعالى إليه:
يا إبراهيم لم تطعمه إلا بتغيير دينه ونحن من سبعين سنة نطعمه على كفره , فلو أضفته ليلة ماذا كان عليك , فمر إبراهيم يسعى خلف المجوسي فرده وأضافه , فقال له المجوسي : مالسبب فيما بدا لك ؟ فذكر له , فقال له المجوسي : أهكذا يعاملني , ثم قال : اعرض على الإسلام فأسلم ).
( قال ابن القيم في مدارج السالكين : الإنتفاع بالعظة : هو أن يقدح في القلب قادح الخوف والرجاء فيتحرك للعمل طلبا للخلاص من الخوف ورغبة في وصول المرجو ).
12- تجنب إستخدام أسلوب التوبيخ للسامعين :
كي يكسب الواعظ القلوب والعقول فعليه أن يتجنب أسلوب التوبيخ , فهو أسلوب منفر .
وبعض الوعاظ يتفنون في توبيخ السامعين وكأنهم هم المسئولين عن كل الفساد والضلال والإنحراف والتحلل .وإن كان لابد من نقد للحضور فليكن كما كان يقول صلى الله عليه وسلم مابال أقوام يفعلون كذا وكذا .

13- التثبت والتحقق من المعلومات المنقولة :
بعض الوعاظ يعزو النقل إلى عالم فيخطأ في عزوه وفيما ينقل، ويحرف الكلم عن مواضعه، فيأخذ العامة هذا القول بالتسليم، لاعتقادهم صحة نسبة الكلام الذي ينسب إلى عالم ما، وهو في الحقيقة ليس له.
ومنهم من يبالغ في الأرقام والنقل والأوصاف والأخبار حتى يعرف بذلك، فتغلب عاطفته عقله فيعلم الناس أنه مبالغ، فإذا ترجم لشخص أضفى عليه حلل الثناء المفرط، وخلع عليه برود المديح الجزافي حتى ينفر السامع من هذا، لأن من زاد عن الحد فكأنما نقص، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
وأخطر مافي النقل نسبة بعض الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ليس له , فهناك بعض الوعاظ يقعون بهذا الخطأ الخطير, ولايكتفي بذكر النص بل ينسبه أيضا لبعض أئمة الحديث .
(ففي الحديث المتفق عليه من حديث انس قال: إِنه لَيَمْنَعُنِى أَنْ أحدّثكم حديثًا كثيرًا أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تعمَّدَ عليّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار) .
كما تجد البعض عندما يتعرض لمسالة فقهية فيقول : وهذا ما أجمع عليه أهل العلم , فتذهب وتبحث عن هذا الإجماع فلا تجد له أثر والله تعالى يقول (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً). سورة الإسراء – آية 36.
فعلى الواعظ أن يتثبت عندما يقول عن الله ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْر الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْبِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون ) سورة الأعراف – آية 33 .
والبعض عندما تراجعه في قول ذكره فيتضايق معتبراذلك التصويب طعنا في دينه وعلمه ,على إعتبار كلامه صواب مطلق .
( وفي مقدمة مسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ( .

14- البعد عن الأنا وشخصنة الموعظة :
هناك من يهوى عبادة الذات , فتجد الأنا لاتفارق حديثه , ويجعل من نفسه مقياسا لغيره , فيضخم كل أعماله ويقزم أعمال غيره , بل يجعل من نفسه نقطة المركز , وكل الأمور تتمحور حوله , فالأمور تبدأ عنده وتنتهي عنده .
فتضخيم "الأنا "لدى الشخص المصاب بداء الإعجاب بالنفس لا يرى إلا نفسه ولا يحب أن يسمع إلا المديح لنفسه والشكر لصنيعه ,ومبعث هذا المرض هو "القلب" الذي هو مناط الصلاح والفساد كما
( قال صلى الله عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم .
وللأسف الشديد إن الكثيرين ممن ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية اليوم يتعاملون مع الدعوة ورجالها بمنطق أبي عامر الفاسق وهو رجل ترهب في الجاهلية زعما منه أن يهيئ نفسه للرسالة ، فهو لا ينشط في دعوته إلا إذا كان هو صاحب الإمارة وصاحب المنزلة ، صاحب التوجيه ، صاحب المقام في قلوب الخلق هو القائل ، وهو المتحدث ،هو الذي يجب أن يشار له بالبنان , هو الذي يجب أن يظهر ويتقدم , هو القائد ... المهم يكون " هو " فقط !!
فإذا كان الأمر كذلك كان النشاط والحركة ، والدعوة والهمة العالية ، العمل الدائب وربما يغلف كل ما سبق من عمل وحركة بشيء من التواضع ، والزهد الزائفين فإذا اهتزت في نفس هذا النمط من الدعاة (أنا) فوجد نفسه نزل من موضع إلى موضع ، أو سبقه من هو دونه، أو لم يحز ما ترنو إليه نفسه ، انقلبت الأمور وهدأت
الحركة ، وانطفأت شعلة النشاط وبردت جذوة الأمل .
وانكفأ إلى بيته ، وعلى أحسن الأحوال أخذ إجازة من الدعوة ، تنم عن غضب ومشاحنة ينطوي عليها الصدر ، وقد يسوء الحال عن ذلك ، فتكون الردة والنكوص عن الطريق كله ، ثم يبدأ البحث عن طريق آخر فيه أنا وأنا فقط .
والله تعالى يقول (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) سورة الشورى- آية 20.
وبما أن الواعظ دائم الظهور فعليه أن يتعهد نفسه وقلبه باستمرار ليتأكد أن عمله خالص لوجه الله تعالى .
15- الإقناع :
وهو أسلوب قرآني في عرض جميع القضايا سواء كانت من باب العقائد أو السلوك، ولذلك فإن مجرد الرجوع إلى القرآن الكريم كاف في استنباط الكثير من أساليب الإقناع الذي يخاطب العقل مباشرة دون تكلف أو عناء. فنجد في بعض نصوص التحريم , علة الحكم وأسبابه ومنافعه ومضاره ، ليقبل عليها الفاعل عن بينة وقناعة، فالله تعالى يقول في تقرير حرمة الخمروالميسر والأنصاب والأزلام:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوه لعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) سورة المائدة - آية 90.
فبدأ الحكم الشرعي لهذه المنكرات، مع تنفير النفس منها باعتبارها رجسا ولم يكتف بذلك، بل أضاف إلى هذا الحكم ما يقنع العقل بمخاطره، لتنفر النفس من هذه الأمور شرعا وعقلا، قال تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) سورة المائدة – آية 91.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم اسلوب الإقناع .
(مع ذلك الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا بكل جرأة وصراحة، فهمَّ الصحابة رضي الله عنهم أن يوقعوا به, فنهاهم وأدناه وقال له:أترضاه لأمك ؟!، قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، قال:أترضاه لأختك ؟!، قال: لا، قال:فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم)رواه أحمد .
وهكذا صار الزنى أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد، بسبب هذا الإقناع العقلي.

16- عدم التركيز على الحرام والممنوع فقط :
بعض الوعاظ مغرمين ببعض المصطلحات مثل : حرام , ممنوع , غير جائز , فهم لايعرفون من الشريعة غير تلك المصطلحات , فيهيأ للسامع أنه لايوجد في الإسلام حلال وجائز .
( قال صلى الله عليه وسلم ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم).
إن التشريع الإسلامي ما حرم أمرا إلا وأوجد له بديلا .
( ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم منع بلالا أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الردئ سدا للذريعة إلى الربا في أي صورة من صوره، ثم أمره أن يبيع الرديء الذي عنده بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم الجيد الذي يريده، فمنعه من المحظوروأرشده إلى المباح ).
17- انتهاز الفرص وتوظيف الأحداث :
لابد للواعظ أن يستغل بعض الأحداث أو الظروف ويوظفها في موعظته , فذلك يشد الحضور ,كما أن الحدث يبقى في الذاكرة لفترة طويلة .
وهكذا كان معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم يستغل الأحداث والظروف في تعليم الناس .
مر صلى الله عليه وسلم بجدي أسك أي صغير الأذن فأراد أن يذكرهم من خلاله بحقارة الدنيا.

( روى مسلم . عن جابر رضي الله عنه . أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كَنَفَتَيْهِ، فمر بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال:أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم ?قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً أنه أَسَكّ فكيف وهو ميت! فقال:فوالله للدنيا أهون على اللَّه من هذا عليكم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشكرك على المشاركة ,سيتم نشر التعليق بعد تدقيق مضمونه .
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)