سادسا – أسباب الجرأة على الفتوى :
هناك عدة أسباب تدفع البعض للتجرأ على الفتوى واقتحامها دون علم , ومن هذه الأسباب :
1-إتباع الهوى : ومن أشد المزالق خطرا على المفتي أن يتبع الهوى في فتواه،سواء هوى نفسه أو هوى غيره، وبخاصة أهواء الرؤساء وأصحاب السلطة، الذين ترجى عطاياهم، وتخشى رزاياهم، فيتقرب إليهم الطامعون والخائفون، بتزييف الحقائق، وتبديلاللأحكام، وتحريف الكلم عن مواضعه، اتباعا لأهوائهم، وإرضاء لنزواتهم، أومسايرةلشطحاتهم ونطحاتهم. ومثل ذلك اتباع أهواء العامة، والجري وراء إرضائهم، بالتساهل أو بالتشدد، وكله من اتباع الهوى المضل عن الحق.هذا مع تحذير الله تعالى أشد التحذير من اتباع الهوى، يقول الله تعالى لرسوله في سورة الجاثية: (ثم جعلناك على شريعة من الأمرفاتبعها ولا تتبع أهواء يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين .هذابصائرللناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون) وفي سورة المائدة يخاطب رسوله أيضا بقوله سبحانه (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)كما خاطب الله نبيه داود فقال: (يا داود، إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)
يقول الله تعالى ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) .
2- الغفلةعن النصوص الشرعية أو الجهل بها: وعدم الإحاطة بها وتقديرها حق قدرها، وخصوصا إذاكان من يتعرض للفتوى من الجرآء المتعجلين، كالذين يريدون أن يملئوا أنهار الصحف أوالمجلات بأي شيء، دون أن يجشم نفسه عناء الرجوع إلى المصادر، والبحث عن الأدلة في مظانهاومراجعة الثقات من أهل العلم.
وأكثر ما تقع الغفلة عنه هنا هو نصوص السنة، فقد فشا الجهل بها في هذا العصر فشوا مخيفا، حتى أن بعضهم ليفتي بما يناقض أحاديث الصحيحين أو أحدهما مناقضة صريحة بينة، لأن حضرته لم يقرأ هذه الأحاديث ولم يسمعها فجعل جهله حجة على دين الله.3- سوء التأويل : وقد لا يأتي الخطأ من عدم استحضار النص، ولكن من سوء تأويله،وفهمه على غير وجهه، اتباعا لشهوة، أو إرضاء لنزوة، أو حبا لدنيا، أو تقليدا أعمى للآخرين.وسوء الفهم أو سوء التأويل، آفة قديمة منيت بهاالنصوص الدينية، والكتب المقدسة، وهو أحد الوجهين فيما وصم به القرآن أهل الكتاب من "تحريف الكلم عن مواضعه ".فليس المقصود بالتحريف تبديل لفظ مكان لفظ فحسب، بل يشمل تفسير اللفظ بغير المراد منه، فهذا هو التحريف المعنوي،والأول هو التحريف اللفظي.ومن أمثلة سوء التأويل ما قاله بعضهم حول الآيات التي وردت في سورة المائدة في شأن من لم يحكم بما أنزل الله، وهوقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزلالله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).قال هذا القائل: إن هذه الآيات لم تنزل فينا ـ معشر المسلمين وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة.ومقتضى هذا ـ في زعمه ـأن من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والنصارى فهو كافر أو ظالم أو فاسق. وأما من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين فليس كافرا ولا ظالما ولا فاسقا!وهذا والله مما لا ينقضي منه العجب!
4- عدم فهم الواقع : ومن أسباب الخطأ في الفتوى عدم فهم الواقع الذي يسأل عنه السائل فهما صحيحا، ويترتب على ذلك الخطأ في "التكييف"، أعني في تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية.ومن الناس من يجازف بالفتوى في أمور المعاملات الحديثة والنوازل في العصر الحديث ، فيحرم أو يحلل، دون أن يحيط بهذه الأشياء خبرا،أو يدرسها بشكل جيد .ومهما يكن علمه بالنصوص، ومعرفته بالأدلة،فإن هذا لا يغني ما لم يؤيد ذلك بمعرفة الواقع المسئول عنه، وفهمه على حقيقته.
5- حب الشهرة والظهور :هناك من ابتلي بحب الظهور والشهرة ولتحقيق ذلك فتراه يدلي بكل شئ , فما إن تطرح مسألة حتى يسارع بالجواب عليها ليقول الحضور لديه علم ومعرفة .
بل يعتبر السكون وعدم الجواب منقصة بحقه , ورحم الله القائل :
دع عنك الكتابة فلست منها -------- وإن سودت وجهك بالمداد .
يقول الحافظ ابن كثير في قوله تعالى : ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا – الإسراء 36 . قال قتادة : لاتقل رأيت ولم تر, وسمعت ولم تسمع , وعلمت ولم تعلم , فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله .
وأول من تسعر به النار العالم الذي طلب بعلمه الرياء والسمعة .
1- تقدم البعض للوعظ وهم ليسوا أهلا لذلك : وعلاقة ذلك بالفتوى بغير علم , أن الشخص الذي يتصدر للوعظ وهو ليس بأهل فمع مرور الوقت يظن بنفسه أنه طالما يعظ الناس فقد صار أهلا للفتوى , وهذا تلبيس يتلبسه الشيطان على هذا المسكين .
سابعا – أضرار وأخطار الفتوى بغير علم :
مما لاشك فيه أن الذي يقتحم البحر وهو لايجيد السباحة فسيغرق وربما يغرق من معه , وكذلك حال الذي يفتي بغير علم فإنه يضل ويضل غيره كما ورد في الحديث , ويمكن ذكر بعضا من مخاطر واضرار الفتوى بغير علم :
1- إصدار أحكام التكفير والتفسيق والتبديع بحق الناس : فالجاهل الذي لم يشم رائحة العلم يصدر الأحكام دون تثبت ولا تحقق , بل تراه متطرفا بأحكامه لتتوافق مع جهله وهواه .
2- إزدراء أهل العلم : فحسب نظره أن كل عالم لايفتي على مزاجه فهو جاهل , أو عندما يجلس ويتحدث عن الفقه فيقدم نفسه على أنه من أهل العلم , ويقول هم رجال ونحن رجال .
3- سوء الظن بالآخرين : فالجاهل الذي لاعلم له , يتسرع باتهام الآخرين , حيث المهم هو إثبات الذات ولو على حساب حرمات الآخرين .
4- ضياع الحقوق وتمييع الشريعة : فكم من بيوت مستقرة ضاعت , وكم من حقوق أهدرت , وكم من نفوس أزهقت , بفتوى جاهل .
5- الكذب والافتراء على الله : يقول الله تعالى ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) يونس 59.
فالله تعالى ينكر إنكارا شديدا على من يحرم ما أحله الله أو يحلل ما حرمه الله , وينتج ذلك عن عدم العلم , ولقد توعدهم الله تعالى فقال ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) يونس 60
بل اعتبرهم الله من غير المفلحين بسبب افترائهم على الله ( ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ) النحل 116.
وسيكونون يوم القيامة من أصحاب الوجوه المسودة ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) الزمر 60.
6- المفتي بغير علم توقد به النار : ( ففي صحيح الترغيب والترهيب .عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر وحتى تخوض الخيل في سبيل الله , ثم يظهر قوم يقرؤون القرآن يقولون : من أقرأ منا ؟ من أفقه منا ؟ ثم قال لأصحابه : هل في أولئك من خير ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أولئك منكم من هذه الأمة وألئك هم وقود النار ) .
7- الإفتاء بغير علم من علامات الساعة : (روى الإمام أحمد في مسنده وهو حديث صحيح . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق , ويؤتمن فيها الخائن ويخون الأمين , وينطق الرويبضة . قيل : ما الرويبضة . قال : السفيه يتكلم في أمر العامة )
8- الفتيا بغير علم قرينة الشرك : مصداقا لقوله تعالى ( وأن تشركوا بالله مالم ينزل سلطانا وأن تقولوا على الله مالاتعلمون ).
ثامنا – قضايا تتعلق بالفتوى بغير علم :
1-عدم تقديس أهل العلم : عندما نتحدث عن الرؤوس الجهال الذين يتصدرون للفتوى بغير علم , فلا نقصد تقديس العلماء وادعاء العصمة لهم , فهم بشر يجتهدون فيخطئون ويصيبون وفي كلا الحالتين مأجورين , واجتهادهم ليس نصا قطعيا لاتجوز مناقشته , بل يناقش من قبل أهل العلم وليس من قبل الجهلاء , ورحم الله الإمام مالك قال : كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- نقل الفتوى : قد يتعرض للسؤال شخص يتوسم فيه الناس العلم فيسألونه عن مسالة ما , فإذا كان هذا الشخص متمكن متثبت من نقل الفتوى عن عالم ما , فيحق له نقل الفتوى عن أهل العلم الثقات , شريطة التأكد من صحة نسبتها لقائلها , وعدم التغيير في مضمونها , وعدم الإخلال بضوابطها , وأن يكون هناك تطابق بين الفتوى والسؤال .
3- الأمور البسيطة : لابد من التفريق بين الأمور البسيطة مثل قضايا العبادات المعروفة وبين القضايا المهمة والتي تحتاج لعلم وخبرة وفهم ودراية , فالأولى يمكن لطالب العالم ان يفتي بها طالما أنه تتلمذ وتعلم ودرس , أما الأمور العظيمة فتحتاج لرسوخ في العلم ولمواصفات وشروط ذكرناها سابقا , ولا يحق لمن لايمتلك أدوات الفتوى أن يقحم نفسه بها .
4- نحن من يصنع الجهال :يسأل سائل كيف يظهر الجاهل فيفتي , فبكل صراحة نحن من يساهم في صناعة الرؤوس الجهال , فتجد شخصا لديه معلومات معينة تمكنه من الوعظ , فتجد المستمعين يسالونه في قضايا فقهية ليس أهلا للجواب عنها , وبدل أن يقول لا أعلم حيث يعتبر ذلك منقصة بحقه , فتراه يشرق ويغرب ويفتري على الله , ومع مرور الوقت يصدق نفسه أنه أصبح محلا للفتوى , لذلك على كل مسلم أن لايسأل إلا من لديه علم شرعي يجعله أهلا للفتوى .
5- التناقض بالفتوى : الجاهل الذي لاعلم عنده تجده متناقض بنفس الفتوى ولكن من شخص لآخر , فتجده يعطي رأيه في قضية ما بالجواز , ولكن تجده في مكان آخر ومع شخص آخر ولنفس القضية يقول حرام , وعندما تبحث عن السبب فتجد الهوى وتقديم العلاقات الشخصية على دين الله تعالى .
6- هم رجال ونحن رجال : بعض من تصدر للفتوى بغير علم , يتعامل مع أهل العلم بفوقية وتعالى وتكبر وغرور , فتجده يذم وينتقد بعض العلماء ويمدح ويمجد بعض العلماء , ولجهله قلا يدور مع الحق بل يدور مع الرجال , وعندما تأتي له بقول عالم ما فيقول لك أما أنا فأقول كذا كذا , وينسى هذا الجاهل أنه يعد من صفوف الأميين , وعندما تناقشه بذلك يقول هم رجال ونحن رجال , وفي هؤلاء قيل :
يقولون هذا عندنا غير جائز ---------- فمن أنتم حتى يكون لكم عند .
قام بإعداد هذا البحث :
هناك عدة أسباب تدفع البعض للتجرأ على الفتوى واقتحامها دون علم , ومن هذه الأسباب :
1-إتباع الهوى : ومن أشد المزالق خطرا على المفتي أن يتبع الهوى في فتواه،سواء هوى نفسه أو هوى غيره، وبخاصة أهواء الرؤساء وأصحاب السلطة، الذين ترجى عطاياهم، وتخشى رزاياهم، فيتقرب إليهم الطامعون والخائفون، بتزييف الحقائق، وتبديلاللأحكام، وتحريف الكلم عن مواضعه، اتباعا لأهوائهم، وإرضاء لنزواتهم، أومسايرةلشطحاتهم ونطحاتهم. ومثل ذلك اتباع أهواء العامة، والجري وراء إرضائهم، بالتساهل أو بالتشدد، وكله من اتباع الهوى المضل عن الحق.هذا مع تحذير الله تعالى أشد التحذير من اتباع الهوى، يقول الله تعالى لرسوله في سورة الجاثية: (ثم جعلناك على شريعة من الأمرفاتبعها ولا تتبع أهواء يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين .هذابصائرللناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون) وفي سورة المائدة يخاطب رسوله أيضا بقوله سبحانه (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)كما خاطب الله نبيه داود فقال: (يا داود، إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)
يقول الله تعالى ( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم ) .
2- الغفلةعن النصوص الشرعية أو الجهل بها: وعدم الإحاطة بها وتقديرها حق قدرها، وخصوصا إذاكان من يتعرض للفتوى من الجرآء المتعجلين، كالذين يريدون أن يملئوا أنهار الصحف أوالمجلات بأي شيء، دون أن يجشم نفسه عناء الرجوع إلى المصادر، والبحث عن الأدلة في مظانهاومراجعة الثقات من أهل العلم.
وأكثر ما تقع الغفلة عنه هنا هو نصوص السنة، فقد فشا الجهل بها في هذا العصر فشوا مخيفا، حتى أن بعضهم ليفتي بما يناقض أحاديث الصحيحين أو أحدهما مناقضة صريحة بينة، لأن حضرته لم يقرأ هذه الأحاديث ولم يسمعها فجعل جهله حجة على دين الله.3- سوء التأويل : وقد لا يأتي الخطأ من عدم استحضار النص، ولكن من سوء تأويله،وفهمه على غير وجهه، اتباعا لشهوة، أو إرضاء لنزوة، أو حبا لدنيا، أو تقليدا أعمى للآخرين.وسوء الفهم أو سوء التأويل، آفة قديمة منيت بهاالنصوص الدينية، والكتب المقدسة، وهو أحد الوجهين فيما وصم به القرآن أهل الكتاب من "تحريف الكلم عن مواضعه ".فليس المقصود بالتحريف تبديل لفظ مكان لفظ فحسب، بل يشمل تفسير اللفظ بغير المراد منه، فهذا هو التحريف المعنوي،والأول هو التحريف اللفظي.ومن أمثلة سوء التأويل ما قاله بعضهم حول الآيات التي وردت في سورة المائدة في شأن من لم يحكم بما أنزل الله، وهوقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزلالله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).قال هذا القائل: إن هذه الآيات لم تنزل فينا ـ معشر المسلمين وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة.ومقتضى هذا ـ في زعمه ـأن من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والنصارى فهو كافر أو ظالم أو فاسق. وأما من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين فليس كافرا ولا ظالما ولا فاسقا!وهذا والله مما لا ينقضي منه العجب!
4- عدم فهم الواقع : ومن أسباب الخطأ في الفتوى عدم فهم الواقع الذي يسأل عنه السائل فهما صحيحا، ويترتب على ذلك الخطأ في "التكييف"، أعني في تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية.ومن الناس من يجازف بالفتوى في أمور المعاملات الحديثة والنوازل في العصر الحديث ، فيحرم أو يحلل، دون أن يحيط بهذه الأشياء خبرا،أو يدرسها بشكل جيد .ومهما يكن علمه بالنصوص، ومعرفته بالأدلة،فإن هذا لا يغني ما لم يؤيد ذلك بمعرفة الواقع المسئول عنه، وفهمه على حقيقته.
5- حب الشهرة والظهور :هناك من ابتلي بحب الظهور والشهرة ولتحقيق ذلك فتراه يدلي بكل شئ , فما إن تطرح مسألة حتى يسارع بالجواب عليها ليقول الحضور لديه علم ومعرفة .
بل يعتبر السكون وعدم الجواب منقصة بحقه , ورحم الله القائل :
دع عنك الكتابة فلست منها -------- وإن سودت وجهك بالمداد .
يقول الحافظ ابن كثير في قوله تعالى : ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا – الإسراء 36 . قال قتادة : لاتقل رأيت ولم تر, وسمعت ولم تسمع , وعلمت ولم تعلم , فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله .
وأول من تسعر به النار العالم الذي طلب بعلمه الرياء والسمعة .
1- تقدم البعض للوعظ وهم ليسوا أهلا لذلك : وعلاقة ذلك بالفتوى بغير علم , أن الشخص الذي يتصدر للوعظ وهو ليس بأهل فمع مرور الوقت يظن بنفسه أنه طالما يعظ الناس فقد صار أهلا للفتوى , وهذا تلبيس يتلبسه الشيطان على هذا المسكين .
سابعا – أضرار وأخطار الفتوى بغير علم :
مما لاشك فيه أن الذي يقتحم البحر وهو لايجيد السباحة فسيغرق وربما يغرق من معه , وكذلك حال الذي يفتي بغير علم فإنه يضل ويضل غيره كما ورد في الحديث , ويمكن ذكر بعضا من مخاطر واضرار الفتوى بغير علم :
1- إصدار أحكام التكفير والتفسيق والتبديع بحق الناس : فالجاهل الذي لم يشم رائحة العلم يصدر الأحكام دون تثبت ولا تحقق , بل تراه متطرفا بأحكامه لتتوافق مع جهله وهواه .
2- إزدراء أهل العلم : فحسب نظره أن كل عالم لايفتي على مزاجه فهو جاهل , أو عندما يجلس ويتحدث عن الفقه فيقدم نفسه على أنه من أهل العلم , ويقول هم رجال ونحن رجال .
3- سوء الظن بالآخرين : فالجاهل الذي لاعلم له , يتسرع باتهام الآخرين , حيث المهم هو إثبات الذات ولو على حساب حرمات الآخرين .
4- ضياع الحقوق وتمييع الشريعة : فكم من بيوت مستقرة ضاعت , وكم من حقوق أهدرت , وكم من نفوس أزهقت , بفتوى جاهل .
5- الكذب والافتراء على الله : يقول الله تعالى ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون ) يونس 59.
فالله تعالى ينكر إنكارا شديدا على من يحرم ما أحله الله أو يحلل ما حرمه الله , وينتج ذلك عن عدم العلم , ولقد توعدهم الله تعالى فقال ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) يونس 60
بل اعتبرهم الله من غير المفلحين بسبب افترائهم على الله ( ولاتقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ) النحل 116.
وسيكونون يوم القيامة من أصحاب الوجوه المسودة ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) الزمر 60.
6- المفتي بغير علم توقد به النار : ( ففي صحيح الترغيب والترهيب .عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر وحتى تخوض الخيل في سبيل الله , ثم يظهر قوم يقرؤون القرآن يقولون : من أقرأ منا ؟ من أفقه منا ؟ ثم قال لأصحابه : هل في أولئك من خير ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أولئك منكم من هذه الأمة وألئك هم وقود النار ) .
7- الإفتاء بغير علم من علامات الساعة : (روى الإمام أحمد في مسنده وهو حديث صحيح . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق , ويؤتمن فيها الخائن ويخون الأمين , وينطق الرويبضة . قيل : ما الرويبضة . قال : السفيه يتكلم في أمر العامة )
8- الفتيا بغير علم قرينة الشرك : مصداقا لقوله تعالى ( وأن تشركوا بالله مالم ينزل سلطانا وأن تقولوا على الله مالاتعلمون ).
ثامنا – قضايا تتعلق بالفتوى بغير علم :
1-عدم تقديس أهل العلم : عندما نتحدث عن الرؤوس الجهال الذين يتصدرون للفتوى بغير علم , فلا نقصد تقديس العلماء وادعاء العصمة لهم , فهم بشر يجتهدون فيخطئون ويصيبون وفي كلا الحالتين مأجورين , واجتهادهم ليس نصا قطعيا لاتجوز مناقشته , بل يناقش من قبل أهل العلم وليس من قبل الجهلاء , ورحم الله الإمام مالك قال : كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- نقل الفتوى : قد يتعرض للسؤال شخص يتوسم فيه الناس العلم فيسألونه عن مسالة ما , فإذا كان هذا الشخص متمكن متثبت من نقل الفتوى عن عالم ما , فيحق له نقل الفتوى عن أهل العلم الثقات , شريطة التأكد من صحة نسبتها لقائلها , وعدم التغيير في مضمونها , وعدم الإخلال بضوابطها , وأن يكون هناك تطابق بين الفتوى والسؤال .
3- الأمور البسيطة : لابد من التفريق بين الأمور البسيطة مثل قضايا العبادات المعروفة وبين القضايا المهمة والتي تحتاج لعلم وخبرة وفهم ودراية , فالأولى يمكن لطالب العالم ان يفتي بها طالما أنه تتلمذ وتعلم ودرس , أما الأمور العظيمة فتحتاج لرسوخ في العلم ولمواصفات وشروط ذكرناها سابقا , ولا يحق لمن لايمتلك أدوات الفتوى أن يقحم نفسه بها .
4- نحن من يصنع الجهال :يسأل سائل كيف يظهر الجاهل فيفتي , فبكل صراحة نحن من يساهم في صناعة الرؤوس الجهال , فتجد شخصا لديه معلومات معينة تمكنه من الوعظ , فتجد المستمعين يسالونه في قضايا فقهية ليس أهلا للجواب عنها , وبدل أن يقول لا أعلم حيث يعتبر ذلك منقصة بحقه , فتراه يشرق ويغرب ويفتري على الله , ومع مرور الوقت يصدق نفسه أنه أصبح محلا للفتوى , لذلك على كل مسلم أن لايسأل إلا من لديه علم شرعي يجعله أهلا للفتوى .
5- التناقض بالفتوى : الجاهل الذي لاعلم عنده تجده متناقض بنفس الفتوى ولكن من شخص لآخر , فتجده يعطي رأيه في قضية ما بالجواز , ولكن تجده في مكان آخر ومع شخص آخر ولنفس القضية يقول حرام , وعندما تبحث عن السبب فتجد الهوى وتقديم العلاقات الشخصية على دين الله تعالى .
6- هم رجال ونحن رجال : بعض من تصدر للفتوى بغير علم , يتعامل مع أهل العلم بفوقية وتعالى وتكبر وغرور , فتجده يذم وينتقد بعض العلماء ويمدح ويمجد بعض العلماء , ولجهله قلا يدور مع الحق بل يدور مع الرجال , وعندما تأتي له بقول عالم ما فيقول لك أما أنا فأقول كذا كذا , وينسى هذا الجاهل أنه يعد من صفوف الأميين , وعندما تناقشه بذلك يقول هم رجال ونحن رجال , وفي هؤلاء قيل :
يقولون هذا عندنا غير جائز ---------- فمن أنتم حتى يكون لكم عند .
قام بإعداد هذا البحث :
طريف السيد عيسى
السويد – أوربرو – 28/7/2009
المراجع التي تم الرجوع لها في إعداد هذا البحث هي :
- القرآن الكريم . – صحيحي البخاري ومسلم
- تفسير ابن كثير . - الرسالة – الإمام الشافعي
- إعلام الموقعين عن رب العالمين – ابن قيم الجوزية . - كتاب العالم – الشيخ ابن عثيمين
- جامع بيان العالم وفضله – ابن عبد البر . – الفقيه والمتفقه – الخطيب البغدادي .
- – الموافقات – الإمام الشاطبي - بعض كتب الشيخ يوسف القرضاوي
- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي . – تنبيه الرجل العاقل – شيخ الإسلام ابن تيمية
- حلية طالب العالم – بكر أبو زيد . – تلبيس ابليس – ابن قيم الجوزية
المراجع التي تم الرجوع لها في إعداد هذا البحث هي :
- القرآن الكريم . – صحيحي البخاري ومسلم
- تفسير ابن كثير . - الرسالة – الإمام الشافعي
- إعلام الموقعين عن رب العالمين – ابن قيم الجوزية . - كتاب العالم – الشيخ ابن عثيمين
- جامع بيان العالم وفضله – ابن عبد البر . – الفقيه والمتفقه – الخطيب البغدادي .
- – الموافقات – الإمام الشاطبي - بعض كتب الشيخ يوسف القرضاوي
- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي . – تنبيه الرجل العاقل – شيخ الإسلام ابن تيمية
- حلية طالب العالم – بكر أبو زيد . – تلبيس ابليس – ابن قيم الجوزية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أشكرك على المشاركة ,سيتم نشر التعليق بعد تدقيق مضمونه .
(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)